وفيها أنهم أمروا أن يستعيروا منهم حليا كثيرا يخرجون به، فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والأنعام، وأخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام، استخرجه موسى من المدفن الذي كان فيه بإلهام من الله تعالى، وكانت عدّتهم ستمائة ألف رجل محارب سوى النساء والصبيان والغرباء، وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم، فساروا ثلاث مراحل ليلا ونهارا حتى وافوا إلى فوهة الجبروت، وتسمى نار موسى، وهو ساحل البحر بجانب الطور، فانتهى خبرهم إلى فرعون في يومين وليلة، فندم بعد خروجهم وجمع قومه وخرج في كثرة كفاك عن مقدارها قول الله عز وجل أخبارا عن فرعون أنه قال عن بني إسرائيل وعدّتهم ما قد ذكر على ما جاء في التوراة، أن هؤلاء لشرذمة قليلون، وأنهم لنا لغائطون، ولحق بهم في اليوم الحادي والعشرين من نيسان، فأقام العسكران ليلة الواحد والعشرين على شاطىء البحر، وفي صبيحة ذلك اليوم أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه، ففلق الله لبني إسرائيل البحر اثني عشر طريقا، عبر كلّ سبط من طريق، وصارت المياه قائمة عن جانبهم كأمثال الجبال، وصيرقاع البحر طريقا مسلوكا لموسى ومن معه، وتبعهم فرعون وجنوده، فلما خاض بنو إسرائيل إلى عدوة الطور انطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقهم الله جميعا ونجا موسى وقومه، ونزل بنو إسرائيل جميعا في الطور وسجوا مع موسى بتسبيح طويل قد ذكر في التوراة، وكانت مريم أخت موسى وهارون تأخذ الدف بيديها، ونساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف والطبول، وهي ترتل التسبيح لهنّ.
ثم ساروا في البرّ ثلاثة أيام، وأقفرت مصر من أهلها، ومرّ موسى بقومه ففني زادهم في اليوم الخامس من أيار فضجوا إلى موسى، فدعا ربه فنزل لهم المنّ من السماء، فلما كان اليوم الثالث والعشرون من أيار عطشوا وضجوا إلى موسى، فدعا ربه ففجر له عينا من الصخرة، ولم يزل يسير بهم حتى وافوا طور سينين غرّة الشهر الثالث لخروجهم من مصر، فأمر الله موسى بتطهير قومه واستعدادهم لسماع كلام الله سبحانه، فطهرهم ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الثالث وهو السادس من الشهر، رفع الله الطور وأسكنه نوره وظلل حواليه بالغمام وأظهر في الآفاق الرعود والبروق والصواعق، وأسمع القوم من كلامه عشر كلمات وهي: أنا الله ربكم واحد لا يكم لكم معبود من دوني، لا تحلف باسم ربك كاذبا، اذكر يوم السبت واحفظه، برّ والديك وأكرمهما، لا تقتل النفس، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بشهادة زور، لا تحسد أخاك فيما رزقه. فصاح القوم وارتعدوا وقالوا لموسى: لا طاقة لنا باستماع هذا الصوت العظيم، كن السفير بيننا وبين ربنا، وجميع ما يأمرنا به سمعنا وأطعنا، فأمرهم بالإنصراف وصعد موسى إلى الجبل في اليوم الثاني عشر، فأقام فيه أربعين يوما، ودفع الله إليه اللوحين الجوهر المكتوب عليهما العشر كلمات ونزل في اليوم الثاني والعشرين من شهر تموز، فرأى العجل، فارتفع الكتاب وثقلا على يديه فألقاهما وكسرهما، ثم برد العجل