أيامه بنيت عدّة كنائس بالإسكندرية، واستتيب جماعة كثيرة من مقالة آريوس، وفي أيامه أطلق للأساقفة والرهبان أكل اللحم يوم الفسح ليخالفوا الطائفة المنانية، فإنهم كانوا يحرّمون أكل اللحم مطلقا، وردّ الملك أغراديانوس كلّ من نفاه واليس من الأساقفة، وأمر أن يلزم كلّ واحد دينه ما خلا المنانية، ثم أقيم بكرسي الإسكندرية تاوفيلا، فأقام سبعا وعشرين سنة ومات في ثامن عشر بابه، وفي أيامه ظهر الفتية أهل الكهف، وكان تاوداسيوس إذ ذاك ملكا على الروم، فبنى عليهم كنيسة وجعل لهم عيدا في كل سنة، واشتدّ الملك تاوداسيوس على الأريسيين وضيّق عليهم، وأمر فأخذت منهم كنائس النصارى بعد ما حكموها نحو أربعين سنة، وأسقط من جيشه من كان آريوسيا، وطرد من كان في ديوانه وخدمه منهم، وقتل من الحنفاء كثيرا، وهدم بيوت الأصنام بكلّ موضع، وفي أيامه بنيت كنيسة مريم بالقدس، وفي أيام الملك ارغاديوس بنى دير القصر المعروف الآن بدير البغل في جبل المقطم شرقيّ طرا خارج مدينة فسطاط مصر. ثم أقيم في بطركية الإسكندرية كرلص، فأقام اثنتين وثلاثين سنة ومات في ثالث أبيب، وهو أوّل من أقام القومة في كنائس الإسكندرية وأرض مصر. وفي أيامه كان المجمع الثالث من مجامع النصارى بسبب نسطورس بطرك قسطنطين، فإنه منع أن تكون مريم أمّ عيسى وقال: إنما ولدت مريم إنسانا اتحد بمشيئة الإله، يعني عيسى، فصار الاتحاد بالمشيئة خاصة لا بالذات، وأن إطلاق الإله على عيسى ليس هو بالحقيقة بل بالموهبة والكرامة، وقال: إن المسيح حلّ فيه الابن الأزليّ وإني أعبده لأنّ الإله حلّ فيه، وإنه جوهران وأقنومان ومشيئة واحدة، وقال في خطبته يوم الميلاد: أن مريم ولدت إنسانا، وأنا لا أعتقد في ابن شهرين وثلاثة الإلهية، ولا أسجد له سجودي للإله، وكان هذا هو اعتقاد تادروس وديوادارس الأسقفين، وكان من قولهما أن المولود من مريم هو المسيح، والمولود من الأب هو الابن الأزليّ، وأنه حلّ في المسيح فسمي ابن الله بالموهبة والكرامة، وأن الاتحاد بالمشيئة والإرادة، وأثبتوا لله تعالى عن قولهم ولدين، أحدهما بالجوهر والآخر بالنعمة، فلما بلغ كرلص بطرك الإسكندرية مقالة نسطورس كتب إليه يرجعه عنها فلم يرجع، فكتب إلى أكليمس بطرك رومية، وإلى يوحنا بطرك أنطاكية، وإلى يوناليوس أسقف القدس يعرّفهم بذلك، فكتبوا بأجمعهم إلى نسطورس ليرجع عن مقالته فلم يرجع، فتواعد البطاركة على الاجتماع بمدينة أفسس، فاجتمع بها مائتا أسقف، ولم يحضر يوحنا بطرك أنطاكية، وامتنع نسطورس من المجيء إليهم بعد ما كرّروا الإرسال في طلبه غير مرّة، فنظروا في مقالته وحرموه ونفوه، فحضر بعد ذلك يوحنا فعز عليه فصل الأمر قبل قدومه وانتصر لنسطورس وقال قد حرموه بغير حق، وتفرّقوا من أفسس على شرّ، ثم اصطلحوا وكتب المشرقيون صحيفة بأمانتهم وبحرمان نسطورس، وبعثوا بها إلى كرلص فقبلها وكتب إليهم بأن أمانته على ما كتبوا، فكان بين المجمع الثاني وبين هذا المجمع خمسون، وقيل خمس وخمسون سنة، وأما نسطورس فإنه نفي إلى صعيد مصر،