كنائس القدس وفلسطين وعامّة بلاد الشام، وقتلوا النصارى بأجمعهم، وأتوا إلى مصر في طلبهم، فقتلوا منهم أمّة كبيرة وسبوا منهم سبيا لا يدخل تحت حصر، وساعدهم اليهود في محاربة النصارى وتخريب كنائسهم، وأقبلوا نحو الفرس من طبرية وجبل الجليل وقرية الناصرة ومدينة صور وبلاد القدس، فنالوا من النصارى كلّ منال، وأعظموا النكاية فيهم، وخرّبوا لهم كنيستين بالقدس، وحرّقوا أماكنهم، وأخذوا قطعة من عود الصليب، وأسروا بطرك القدس وكثيرا من أصحابه، ثم مضى كسرى بنفسه من العراق لغزو قسطنطينية تخت ملك الروم، فحاصرها أربع عشرة سنة، وفي أيام فوقا أقيم يوحنا الرحوم بطرك الإسكندرية على الملكية، فدبر أرض مصر كلها عشر سنين ومات بقبرص، وهو فارّ من الفرس، فخلا كرسيّ اسكندرية من البطركية سبع سنين لخلوّ أرض مصر والشام من الروم، واختفى من بقي بها من النصارى خوفا من الفرس، وقدّم اليعاقبة نسطاسيوس بطركا، فأقام اثنتي عشرة سنة ومات في ثاني عشري كيهك، سنة ثلاثين وثلاثمائة لدقلطيانوس، فاستردّ ما كانت الملكية قد استولت عليه من كنائس اليعاقبة، ورمّ ما شعثه الفرس منها، وكانت إقامته بمدينة الإسكندرية، فأرسل إليه انباسيوس بطرك أنطاكية هدية صحبة عدّة كثيرة من الأساقفة، ثم قدم عليه زائرا فتلقاه وسرّ بقدومه، وصارت أرض مصر في أيامه جميعها يعاقبة لخلوّها من الروم، فثارت اليهود في أثناء ذلك بمدينة صور وراسلوا بقيتهم في بلادهم، وتواعدوا على الإيقاع بالنصارى وقتلهم، فكانت بينهم حرب اجتمع فيها من اليهود نحو عشرين ألفا، وهدموا كنائس النصارى خارج صور، فقوي النصارى عليهم وكاثروهم، فانهزم اليهود هزيمة قبيحة وقتل منهم خلق كثير، وكانه هرقل قد ملك الروم بقسطنطينية وغلب الفرس بحيلة دبرها على كسرى حتى رحل عنهم، ثم سار من قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر ويجدّد ما خرّبه الفرس منها، فخرج إليه اليهود من طبرية وغيرها وقدّموا له الهدايا الجليلة وطلبوا منه أن يؤمّنهم ويحلف لهم على ذلك، فأمّنهم وحلف لهم، ثم دخل القدس وقد تلقاه النصارى بالأناجيل والصلبان والبخور والشموع المشعلة، فوجد المدينة وكنائسها وقمامتها خرابا، فساءه ذلك وتوجع له، وأعلمه النصارى بما كان من ثورة اليهود مع الفرس وإيقاعهم بالنصارى وتخريبهم الكنائس، وأنهم كانوا أشدّ نكاية لهم من الفرس، وقاموا قياما كبيرا في قتلهم عن آخرهم، وحثوا هرقل على الوقيعة بهم، وحسنوا له ذلك، فاحتج عليهم بما كان من تأمينه لهم وحلفه، فأفتاه رهبانهم وبطاركتهم وقسيسوهم بأنه لا حرج عليه في قتلهم، فإنهم عملوا عليه حيلة حتى أمّنهم من غير أن يعلم بما كان منهم، وأنهم يقومون عنه بكفارة يمينه بأن يلتزموا ويلزموا النصارى بصوم جمعة في كلّ سنة عنه على ممرّ الزمان والدهور، فمال إلى قولهم وأوقع باليهود وقيعة شنعاء أبادهم جميعهم فيها، حتى لم يبق في ممالك الروم بمصر والشام منهم إلّا من فرّ واختفى، فكتب البطارقة والأساقفة إلى جميع البلاد بإلزام النصارى بصوم أسبوع في السنة، فالتزموا صومه إلى اليوم، وعرفت عندهم