فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء، فيدفعونه إلى أهله في دورهم. فمات عمر رضي الله عنه والأمر على ذلك، وقد عزم قبل موته أن يجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف، وقال:
لقد هممت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف، ألف يخلفها الرجل في أهله، وألف يتزوّدها معه في سفره، وألف يتجهز بها، وألف يترفق بها، فمات وهو في ارتياد ذلك قبل أن يفعل، وكان يقري البعوث على قدر المسافة إن كان بعيدا فسنة، وإن كان دون ذلك فستة أشهر، فإذا أخل الرجل بثغره نزعت عمامته، وأقيم في مسجد حيه، فقيل هذا فلان قد أخل. وقال سيف بن عمر: أول عطاء أخذ سنة خمس عشرة، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يبعث من مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه، فلما استخلف عثمان رضي الله عنه لثلاث مضين من المحرّم سنة أربع وعشرين زاد الناس مائة، وكان أوّل من زاد، ورفد أهل الأمصار، وهو أوّل من رفدهم، وصنع فيهم الصنائع، فاستن به الخلفاء في الزيادة.
وكان عمر، قد فرض لكل نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهما في كل يوم، وفرض لأمهات المؤمنين درهمين. فقيل له: لو صنعت لهم به طعاما، فجمعتهم عليه فقال: اشبعوا الناس في بيوتهم، فأقرّ عثمان رضي الله عنه ذلك، وزاد فوضع لهم طعام رمضان. وقال: هو للمتعبد الذي يتخلف في المسجد، ولابن السبيل، وللمعترين بالناس في رمضان فاقتدى به الخلفاء من بعده.
وكان بمصر، في خلافة معاوية بن أبي سفيان أربعون ألفا، وكان منهم أربعة آلاف في مائتين مائتين، وكان إنما يحمل إلى معاوية ستمائة ألف دينار عن فضل أعطيات الجند، وما يصرف إلى الناس، وكان معاوية قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب بمصر، رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال: ولد لفلان غلام، ولفلان جارية، فيكتب أسماءهم، ويقال: نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله، فيسميه وعياله فإذا فرغ من القيل أتى الديوان حتى يثبت ذلك، وأعطى مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر، أهل الديوان أعطياتهم وأعطيات عيالهم، وأرزاقهم ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور، وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز، وبعث إلى معاوية ستمائة ألف دينار فضلا.
وأوّل تدوين كان بمصر على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، ثم دوّن عبد العزيز بن مروان تدوينا ثانيا، ودوّن قرّة بن شريك التدوين الثالث، ثم دوّن بشر بن صفوان تدوينا رابعا، ثم لم يكن بعد تدوين بشر شيء له ذكر إلا ما كان من إلحاق قيس بالديوان في خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان.
فلما انقرضت دولة بني أمية وغلبت المسودّة بنو العباس أحدثوا أشياء حتى إذا مات