وبعث إليهم أهل بلاد النوبة في طلب أساقفة، فبعثوا إليهم من أساقفة اليعاقبة، فصارت النوبة من ذلك العهد يعاقبة.
ثم لما مات ميخائيل قدّم اليعاقبة في سنة ست وأربعين ومائة انبامسنا، فأقام سبع سنين ومات. وفي أيامه خرج القبط بناحية سخا وأخرجوا العمال في سنة خمسين ومائة وصاروا في جمع، فبعث إليهم يزيد بن حاتم بن قبيصة أمير مصر عسكرا، فأتاهم القبط ليلا وقتلوا عدّة من المسلمين وهزموا باقيهم، فاشتدّ البلاء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف، وهدمت الكنائس المحدثة بمصر، فهدمت كنيسة مريم المجاورة لأبي شنودة بمصر، وهدمت كنائس محارس قسطنطين، فبذل النصارى لسليمان بن عليّ أمير مصر في تركها خمسين ألف دينار، فأبى، فلما ولي بعده موسى بن عيسى أذن لهم في بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة قاضي مصر، واحتجا بأنّ بناءها من عمارة البلاد، وبأن الكنائس التي بمصر لم تبن إلّا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين، فلما مات انبامسنا قدّم اليعاقبة بعده يوحنا، فأقام ثلاثا وعشرين سنة ومات. وفي أيامه خرج القبط ببلهيت سنة ست وخمسين فبعث إليهم موسى بن عليّ أمير مصر وهزمهم، وقدّم بعده اليعاقبة مرقص الجديد، فأقام عشرين سنة وسبعين يوما ومات. وفي أيامه كانت الفتنة بين الأمين والمأمون، فانتهبت النصارى بالإسكندرية وأحرقت لهم مواضع عديدة، وأحرقت ديارات وادي هبيب ونهبت، فلم يبق بها من رهبانها إلّا نفر قليل. وفي أيامه مضى بطرك الملكية إلى بغداد وعالج بعض خطايا أهل الخليفة، فإنه كان حاذقا بالطب، فلما عوفيت كتب له بردّ كنائس الملكية التي تغلب عليها اليعاقبة بمصر، فاستردّها منهم، وأقام في بطركية الملكية أربعين سنة ومات، ثم قدّم اليعاقبة بعد مرقص يعقوب في سنة إحدى عشرة ومائتين، فأقام عشر سنين وثمانية أشهر ومات. وفي أيامه عمرت الديارات وعاد الرهبان إليها، وعمرت كنيسة بالقدس لمن يرد من نصارى مصر، وقدم عليه ديونوسيس بطرك أنطاكية، فأكرمه حتى عاد إلى كرسيه، وفي أيامه انتقض القبط في سنة ست عشرة ومائتين، فأوقع بهم الأفشين حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد الله المأمون، فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية فبيعوا، وسبى أكثرهم، ومن حينئذ ذلت القبط في جميع أرض مصر، ولم يقدر أحد منهم بعد ذلك على الخروج على السلطان، وغلبهم المسلمون على عامّة القرى، فرجعوا من المحاربة إلى المكايدة واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين، وعملوا كتاب الخراج، فكانت لهم وللمسلمين أخبار كثيرة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
ثم قدّم اليعاقبة سيماون بطركا في سنة اثنتين وعشرين ومائتين، فأقام سنة ومات، وقيل بل أقام سبعة أشهر وستة عشر يوما، فخلا كرسيّ البطاركة بعده سنة وسبعة وعشرين يوما، وقدّم اليعاقبة يوساب في دير بومقار بوادي هبيب في سنة سبع وعشرين ومائتين،