للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحر القلزم مسافة يوم كامل، وفيه غالب الفواكه مزدرعة، وبه ثلاثة أعين تجري، وبناه أنطونيوس المقدّم ذكره، ورهبان هذا الدير لا يزالون دهرهم صائمين، لكن صومهم إلى العصر فقط ثم يفطرون، ما خلا الصوم الكبير والبرمولات، فإن صومهم في ذلك إلى طلوع النجم، والبرمولات هي الصوم كذلك بلغتهم.

دير أنبابولا: وكان يقال له أوّلا دير بولص، ثم قيل له دير بولا، ويعرف بدير النمورة أيضا، وهذا الدير في البرّ الغربيّ من الطور على عين ماء يردها المسافرون، وعندهم أن هذه العين تطهرت منها مريم أخت موسى عليهما السلام عند نزول موسى ببني إسرائيل في برّية القلزم. وانبابولا هذا كان من أهل الإسكندرية، فلما مات أبوه ترك له ولأخيه مالا جما، فخاصمه أخوه في ذلك وخرج مغاضبا له، فرأى ميتا يقبر، فاعتبر به ومرّ على وجهه سائحا حتى نزل على هذه العين، فأقام هناك والله تعالى يرزقه، فمرّ به انطونيوس وصحبه حتى مات، فبني هذا الدير على قبره، وبين هذا الدير والبحر ثلاث ساعات، وفيه بستان فيه نخل وعنب وبه عين ماء تجري أيضا.

دير القصير: قال أبو الحسن عليّ بن محمد الشابشتي في كتاب الديارات: وهذا الدير في أعلى الجبل على سطح في قلته، وهو دير حسن البناء محكم الصنعة نزه البقعة، وفيه رهبان مقيمون به، وله بئر منقورة في الحجر يستقى له منها الماء، وفي هيكله صورة مريم عليها السلام في لوح، والناس يقصدون الموضع للنظر إلى هذه الصورة، وفي أعلاه غرفة بناها أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، لها أربع طاقات إلى أربع جهات، وكان كثير الغشيان لهذا الدير معجبا بالصورة التي فيه، يستحسنها ويشرب على النظر إليها، وفي الطريق إلى هذا الدير من جهة مصر صعوبة، وأما من قبليه فسهل الصعود والنزول، وإلى جانبه صومعة لا تخلو من حبيس يكون فيها، وهو مطلّ على القرية المعروفة بشهران، وعلى الصحراء والبحر، وهي قرية كبيرة عامرة على شاطىء البحر، ويذكرون أن موسى صلوات الله عليه ولد فيها، ومنها ألقته أمّه إلى البحر في التابوت، وبه أيضا دير يعرف بدير شهران، ودير القصير هذا أحد الديارات المقصودة، والمنتزهات المطروقة لحسن موضعه وإشرافه على مصر وأعمالها، وقد قال فيه شعراء مصر ووصفوه فذكروا طيبه ونزهته، ولأبي هريرة بن أبي عاصم فيه من المنسرح:

كم لي بدير القصير من قصف ... مع كل ذي صبوة وذي ظرف

لهوت فيه بشادن غنج ... تقصر عنه بدائع الوصف

وقال ابن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر: وقد اختلف في القصير فعن ابن لهيعة قال: ليس بقصير موسى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه موسى الساحر، وعن المفضل بن فضالة عن أبيه قال: دخلنا على كعب الأحبار فقال لنا: ممن أنتم؟ قلنا فتيان من أهل مصر. فقال: ما

<<  <  ج: ص:  >  >>