نظير ما تقطعه أهل النواحي، وتنتفع به من أخشاب السنط في عمائرها، ومقرّر آخر، كان يجبي منهم يعرف بمقرّر السنط، فيصرف من هذا المقرّر أجرة قطع الخشب وحزه بضريبة عن كل مائة حمل دينار، وعلى المستخدمين في ذلك أن لا يقطعوا من السنط ما يصلح لعمل مراكب الأسطول، لكنهم إنما يقطعون الأطراف التي ينتفع بها في الوقود فقط، ويقال لهذا الذي يقطع حطب النار، فيباع على التجار منه كل مائة حمل بأربعة دنانير، ويكتب على أيديهم زنة ما بيع عليهم، فإذا وردت المراكب بالحطب إلى ساحل مصر، اعتبرت عليهم وقوبل ما فيها بما عين في الرسالة الواردة واستخرج الثمن على ما في الرسالة، وكانت العادة أنه لا يباع مما في البهنسا إلا ما فضل عن احتياج المصالح السلطانية، وقد بطل هذا جميعه، واستولت الأيدي على تلك الأشجار، فلم يبق منها شيء البتة ونسي هذا من الديوان.
وأما القرظ: فإنه ثمر شجر السنط، وكان لا يتصرّف فيه إلا الديوان، ومتى وجد منه مع أحد شيء اشتراه من غير الديوان، نكل به واستهلك ما وجد معه منه، فإذا اجتمع مال القرظ أقيم منه مراكب تباع، ويؤخذ من ثمنها الربع عندما تصل إلى ساحل مصر بعد ما تقوّم، أو ينادى عليها وكان فيها حيف كبير، وقد بطل ذلك.
وأما ما يستأدى من أهل الذمّة: فإنه كان يأخذ منهم عما يرد ويصدر معهم من البضائع في مصر والإسكندرية وأخميم خاصة دون بقية البلاد، ضرائب بتقرير في الديوان، وقد بطل ذلك أيضا.
وأما مقرّر الجاموس ومقرّر بقر الخيس ومقرّر الأغنام: فإنه كان للسلطان من هذه الأصناف شيء كثير جدّا فيؤخذ من الجاموس للديوان على كل رأس من الراتب في نظير ما يتحصل منه في كل سنة، من خمسة دنانير إلى ثلاثة دنانير، ومن اللاحق بحق النصف من الراتب، وأقل ما تنتج كل مائة خمسون إلى غير ذلك من ضرائب مقرّرة على الجاموس، وعلى أبقار الخيس، وعلى الغنم البيض، والغنم الشعاري، وعلى النحل، وقد بطل ذلك جميعه لقلة مال السلطان، وإعراضه عن العمارة وأسبابها، وتعاطي أسباب الخراب.
وأما المواريث: فإنها في الدولة الفاطمية لم تكن كما هي اليوم، من أجل أنّ مذهبهم توريث ذوي الأرحام، وأنّ البنت إذا انفردت استحقت المال بأجمعه، فلما انقضت أيامهم، واستولت الأيوبية، ثم الدولة التركية، صار من جملة أموال السلطان مال المواريث الحشرية، وهي التي يستحقها بيت المال عند عدم الوارث، فتعدل فيه الوزارة مرّة وتظلم أخرى.
وأما المكوس: فقد تقدّم حدوثها، وما كان من الملوك فيها، والذي بقي منها إلى الآن بديار مصر يلي أمره الوزير، وفي الحقيقة إنما هو نفع للأقباط يتخوّلون فيه بغير حق، وقد تضاعفت المكوس في زمننا عما كنا نعهده، منذ عهد تحدّث الأمير جمال الدين يوسف