وجعل خادم الهرم الملوّن: صنما من حجر البهت على قاعدة منه، من نظر إليه جذبه حتى يلتصق به، فلا يفارقه حتى يموت، فلما فرغ من ذلك، حصّن الأهرام بالأرواح الروحانية، وذبح لها الذبائح لتمنع عن أنفسها من أرادها إلا من عمل لها أعمال الوصول إليها.
وذكر القبط في كتبهم: أنّ عليها منقوشا تفسيره بالعربية: أنا سوريد الملك، بنيت هذه الأهرام في وقت كذا وكذا، وأتممت بناءها في ست سنين، فمن أتى بعدي، وزعم أنه ملك مثلي، فليهدمها في ستمائة سنة، وقد علم أن الهدم أيسر من البنيان، وإني كسوتها عند فراغها بالديباج، فليكسها بالحصر، فنظروا فوجدوا أنه لا يقوم بهدمها شيء من الأزمان الطوال.
وحكى القبط في كتبهم: أنّ روحانية الهرم الشماليّ، غلام أمرد أصفر اللون عريان في فمه أنياب كبار، وروحانية الهرم الجنوبيّ: امرأة عريانة بادية الفرج حسناء في فمها أنياب كبار تستهوي الإنسان إذا رأته، وتضحك له حتى يدنو منها، فتسلبه عقله، وروحانية الهرم الملوّن: شيخ في يده مجمرة من مجامر الكنائس يبخر بها، وقد رأى غير واحد من الناس هذه الروحانيات مرارا، وهي تطوف حول الأهرام وقت القائلة، وعند غروب الشمس.
قال: ولمّا مات سوريد، دفن في الهرم، ومعه أمواله وكنوزه. وقالت القبط: إن سوريد هو الذي بنى البرابي، وأودع فيها كنوزا وزبر عليها علوما ووكل بها روحانيات تحفظها ممن يقصدها، قال: وأما الأهرام الدهشورية، فيقال: إن شدات بن عديم هو الذي بناها من الحجارة التي كانت قد قطعت في زمن أبيه، وشدادت هذا يزعم بعض الناس أنه شدّاد بن عاد، وقال: من أنكر أن يكون العادية دخلت مصر، وإنما غلطوا باسم شدات بن عديم، فقالوا: شدّاد بن عاد، لكثرة ما يجري على ألسنتهم شدّاد بن عاد، وقلة ما يجري على ألسنتهم شدات بن عديم، وإلّا فما قدر أحد من الملوك يدخل مصر، ولا قوي على أهلها غير بخت نصر، والله أعلم.
وذكر أبو الحسن المسعودي في كتابه أخبار الزمان: ومن أباده الحدثان، أن الخليفة عبد الله المأمون بن هارون الرشيد، لمّا قدم مصر وأتى على الأهرام، أحب أن يهدم أحدها ليعلم ما فيها، فقيل له: إنك لا تقدر على ذلك؟ فقال: لا بدّ من فتح شيء منه، ففتحت له الثلمة المفتوحة الآن بنار توقد وخلّ يرش ومعاول وحدّادين يعملون فيها حتى أنفق عليها أموالا عظيمة، فوجدوا عرض الحائط قريبا من عشرين ذراعا، فلما انتهوا إلى آخر الحائط، وجدوا خلف الثقب مطهرة خضراء فيها ذهب مضروب، وزن كل دينار أوقية، وكان عددها ألف دينار، فجعل المأمون يتعجب من ذلك الذهب ومن جودته، ثم أمر بجملة ما أنفق على