مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور.
ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر أمر بنقبها، فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجدوا داخله مهاوي ومراقي يهول أمرها ويعسر السلوك فيها، ووجدوا في أعلاها بيتا مكعبا طول كل ضلع من أضلاعه، نحو من ثمانية أذرع، وفي وسطه حوض رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمّة بالية قد أتت عليها العصور الخالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه، ويقال: إن النفقة على نقبة كانت عظيمة والمؤونة شديدة.
ومن الناس من زعم: أنّ هرمس الأوّل المدعوّ بالمثلث، بالنبوّة والملك والحكمة، وهو الذي تسميه العبرانيون: خنوخ بن يزد بن مهلايل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم عليه السلام، وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعمّ الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يشفق عليه من الذهاب والدروس حفظا لها واحتياطا عليها.
ويقال: إن الذي بناها ملك اسمه: سوريد «١» بن سهلوق بن سرياق، وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط شدّاد بن عاد، لرؤيا رآها، والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر، وتحقق أن بانيها سوريد لرؤيا رآها، وهي أن آفة تنزل من السماء وهي الطوفان، وقالوا: إنه بناهما في مدّة ستة أشهر، وغشاهما بالديباج الملوّن، وكتب عليهما:
قد بنيناهما في ستة أشهر قل لمن يأتي من بعدنا يهدمهما في ستمائة سنة، فالهدم أيسر من البنيان، وكسوناهما الديباج الملوّن، فليكسهما حصرا، فالحصر أهون من الديباج، ورأينا سطوح كل واحد من هذين الهرمين، مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية من كتابة بانيها، لا تعرف اليوم أحرفها ولا تفهم معانيها، وبالجملة الأمر فيها عجيب، حتى أن غاية الوصف لها والإغراق في العبارة عنها، وعن حقيقة الموصوف منها بخلاف ما قاله عليّ بن العباس الروميّ، وإن تباعد الموصوفان وتباين المقصودان إذ يقول:
إذا ما وصفت امرأ لامرىء ... فلا تغل في وصفه واقصد
فإنّك إن تغل تبد الظنو ... ن فيه إلى الغرض الأبعد
فيصغر من حيث عظمته ... لفضل المغيب على المشهد
ويقال: إنّ المأمون أمر من صعد الهرم الكبير أن يدلي حبلا فكان طوله ألف ذراع بالذراع الملكيّ، وهو ذراع وخمسان، وتربيعه أربعمائة ذراع في مثلها، وكان صعوده في