الفاخرة في الأواني النفيسة ما لو أكل منها عسكر لما نقصت ذرة، ولا يعرف من عملها، ولا من وضعها، وفي وسط القصر بركة من ماء جامد الظاهر، وترى حركته من وراء ما جمد منه، فأعجب بما رأى، وعاد إلى أمسوس، واستخلف ابنه عرياق، وقلده الملك، وأوصاه، وعاد إلى ذلك القصر، وأقام به حتى هلك.
وإلى عيقام هذا يعزى مصحف القبط الذي فيه تواريخهم، وجميع ما يجري في آخر الزمان.
فقام من بعده ابنه عرياق، ويقال: أرياق بن عيقام، ويقال له: الأثيم، فعمل أعمالا عجيبة منها شجرة صفراء لها أغصان من حديد بخطاطيف إذا قرب الظالم منها أخذته تلك الخطاطيف، ولا تفارقه حتى يقرّ بظلمه، ويخرج منه لخصمه، ومنها: صنم من كدان أسود سمّاه: عبد زحل، كانوا يتحاكمون إليه، فمن زاغ عن الحق ثبت في مكانه، ولم يقدر على الخروج منه حتى ينصف خصمه من نفسه، ولو أقام سنة ومن كانت له حاجة قام ليلا ونظر إلى الكوكب، وتضرّع وذكر اسم عرياق، فإذا أصبح وجد حاجته على بابه.
وعمل شجرة من حديد ذات أغصان، ولطخها بدواء مدبر، فكانت تجلب كل صنف من الدواب والسباع والوحوش إليها، حتى يتمكن من صيدها، وكان إذا غضب على أهل إقليم سلط عليهم الوحوش والسباع، وتارة يجعل ماءهم من الإيداق، ويقال: إن هاروت وماروت كانا في زمانه! وإنه بنى جنة عظيمة، واغتصب النساء الحسان وأسكنهنّ فيها، فعملت عليه امرأة منهنّ وسمّته فهلك.
وملك بعده لوجيم بن نقاوش، ويقال: بل هو من بني نقراوش الجبار، ويعرف:
بلوجيم الفتى، وهو الذي أخذ الملك من عرياق بن عيقام الكاهن، وردّه لبني نقراوش بعد ما خرج منهم بلا حرب، ولا قتل وكان عالما بالكهانة، والطلسمات فعمل أعمالا عجيبة منها: أنّ الغداف «١» والغراب كثر في أيامه، وأتلف الزرع، فعمل أربع منارات في جوانب مدينة أمسوس الأربعة، وعلى كل منارة، صورة غراب في فمه حية قد التوت عليه، فنفرت عنهم الطيور المضرّة من حينئذ، ولم تقر بهم حتى زالت المنارات بالطوفان، وكان حسن السيرة منصفا للرعية عادلا مقرّبا للكهنة، ولما مات دفن في ناوس، ومعه كنوزه، وعمل عليه طلسم يمنعه.
وملك بعده ابنه فحصليم، وكان فاضلا عالما كاهنا، فعمل أعمالا عجيبة، وهو أوّل من عمل مقياسا لزيادة ماء النيل بأن جمع أرباب العلوم والهندسة، فقدّروا بيتا من رخام على حافة النيل، وفي وسطه بركة صغيرة من نحاس فيها ماء موزون، وعليها من جانبيها