النتن، وأطبقت الصورة عليه حتى التحمت وأقيم في هيكل الأصنام، ودفنت كنوزه عنده، وصار يعمل له في كل سنة عيد.
وملك بعده ابنه شرياق، ويقال له: سرياق بن توميدون بن تدرسان بن هوصال، وكان كأبيه في علم الكهانة والسحر والطلسمات، فعمل أعمالا عجيبة منها: على باب مدينة أمسوس هيئة بطة من نحاس قائمة على أسطوانة إذا دخل غريب من ناحية من النواحي صفقت بجناحيها، وصرخت فيؤخذ ذلك الغريب، ويكشف أمره حتى يعرف فيما قدم، وشق من النيل نهرا يمرّ إلى مدائن الغرب وبنى عليه أعلاما ومدنا، ومنتزهات، وسار ملك من بني فراشي بن آدم ويقال: من بني صوانيتي بن آدم خرج من ناحية العراق في أيامه، وغلب على بلاد الشام، وقصد مصر ليأخذ ملكها، فقيل له: إنك لا تقدر عليها لسحر أهلها، فتنكر ودخل في جماعة من خواصه ليكشف حال أهل مصر، فلما وصل إلى أوّل حدّ مصر حبسه الموكلون بذلك الحدّ هو ومن معه، حتى يأمر الملك فيهم بأمره وبعثوا إليه بصفتهم، وكان قد رأى في منامه كأنه على منار عال وكأن طائرا عظيما انقض عليه ليخطفه، فحاد عنه حتى كاد يسقط من المنار، فجاوزه الطائر وسلم منه فانتبه مذعورا.
وقص رؤياه على كبير الكهنة، فقال: يطلبك ملك، ولا يقدر عليك، ونظر في نجومه، فرأى الملك الذي يطلب ملكه قد دخل إلى مصر، وكان ذلك هو الوقت الذي قدم عليه فيه الرسل بصفات الذين وصلوا إلى حدّ مصر، فأمر بإحضارهم إليه بعد ما يطاف بهم على عجائب مصر كلها ليروها، فأوثقوهم وساروا بهم وأوقفوهم على عجائب أرض مصر، وما فيها من الطلسمات حتى بلغوا إلى الإسكندرية، ثم إلى أمسوس، ثم إلى الجنة التي عملها مصرام، كان الملك شرياق مقيما بها، فعند ما وصلوا إليها أظهرت السحرة التماثيل العجيبة، فدخلوا عليه وحوله الكهنة، وبين يديه نار لا يصل إليه أحد حتى يخوضها، فمن كان بريئا لم تضرّه، ومن كان يريد بالملك سوءا أو أضمر له مكروها أخذته النار، فشق القوم في وسط النار واحدا بعد واحد من غير أن تضرّهم حتى انتهى الأمر إلى ملك العراق، فعندما دنا من النار أخذته بحرّها، فولى هاربا فاتبعوه حتى أخذوه وأوقفوه بين يدي شرياق، فلم يزل به حتى اعترف، فأمر بصلب فصلب على الحصن الذي أخذ منه، ونودي عليه هذا جزاء من طلب ما لا يصل إليه، وعفا عن الباقين فساروا من مصر وتحدّثوا بما رأوه من العجائب، فانقطع طمع ملوك الأرض عن طلب ملك مصر، ومات شرياق بعد ما ملك مصر مائة وثلاثين سنة، فجعل في ناوس ومعه أمواله وطلسم يحفظه ممن يقصده.
وملك بعده ابنه: شهلوق، وكان عالما بالكهانة والطلسمات، فقسم ماء النيل موزونا يصرف إلى كل ناحية قسطها، ورتب الدولة وعمل بيت نار، وهو أوّل من عبد النار، وعمل بأمسوس عجائب منها: شجرة على أعلى الجبال تقسم بها الرياح التي تمنع من أراد مصر