إلى الغرب، وبقي أصحابها متعجبين لا يعلمون لها سببا أوجب سقوطها، وبقيت أصنام مدينة منف ساقطة من ساعته، وفيها الصنمان الكبيران المجاوران للبيت الأخضر الذي كان به صنم العزيز، وكان من ذهب وعيناه ياقوتتان لا يقدر على مثلهما، ثم قطعت الأصنام والبيت الأخضر من بعد سنة ستمائة.
ويقال: كانت منف ثلاثين ميلا طولا في عشرين ميلا عرضا، وإنّ بعض بني يافث بن نوح عمل في أيام مصرايم آلة تحمل الماء حتى تلقيه على أعلى سور مدينة منف، وذلك أنه جعلها درجا مجوّفة، كلما وصل الماء إلى درجة امتلأت الأخرى، حتى يصعد الماء إلى أعلى السور، ثم ينحط فيدخل جميع بيوت المدينة، ثم يخرج من موضع إلى خارج المدينة.
وكان بمنف بيت من الصوّان الأخضر الماتع «١» الذي لا يعمل فيه الحديد قطعة واحدة، وفيه صور منقوشة وكتابة، وعلى وجه بابه صور حيات ناشرة صدورها، لو اجتمع ألوف من الناس على تحريكه ما قدروا لعظمه وثقله، والصابئة تقول: إنه بيت القمر، وكان هذا البيت من جملة سبعة بيوت كانت بمنف للكواكب السبعة، وهذا البيت الأخضر هدمه، الأمير سيف الدين شيخون العمريّ، بعد سنة خمسين وسبعمائة، ومنه شيء في خانقاهه، وجامعه الذي بخط الصليبة خارج القاهرة.
وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن القيسي في كتابه تحفة الألباب: ورأيت في قصر فرعون موسى بيتا كبيرا من صخرة واحدة أخضر كالآس فيه صورة الأفلاك والنجوم لم نر عجبا أحسن منه.
وقال أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسيّ «٢» : وكانت دار الملك بمصر في قديم الدهر مدينة منف، وهي في غربيّ النيل على مسافة اثني عشر ميلا من الفسطاط، فلما بنى الإسكندر مدينة الإسكندرية رغب الناس في عمارتها، فكانت دار العلم، ومقرّ الحكمة، إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واختط عمرو بن العاص مدينته المعروفة، بالفسطاط، فانتشر أهل مصر، وغيرهم من العرب والعجم إلى سكناها، فصارت قاعدة ديار مصر، ومركزها إلى وقتنا هذا.
وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه الكاتب: وقد ذكر أخبار مدينة أمسوس، وخراب عمائر أرض مصر بطوفان نوح عليه السلام، ولما نزل الماء كان أوّل من ملك مصر بعد