وذكروا: أنّ الأموال التي كانت مع جيرون نفدت كلها في تلك المدينة، ولم تتم، فأمر الراعي أن يخبر الجارية فقالت: إنّ في المدينة التي خربت ملعبا مستديرا حوله سبعة عمد على رؤوسها تماثيل من صفر قيام، فقرّب لكل تمثال منها ثورا سمينا، ولطخ العمود الذي تحته من دم الثور، وبخره بشعر من ذنبه، وشيء من نحاتة قرونه وأظلافه، وقل له:
هذا قربانك، فأطلق لي ما عندك، ثم قس من كل عمود إلى الجهة التي يتوجه إليها وجه التمثال، مائة ذراع، واحفر عند امتلاء القمر، واستقامة زحل، فإنك تنتهي بعد خمسين ذراعا إلى بلاطة عظيمة، فلطخها بمرارة الثور، وأقلها فإنك تنزل إلى سرب طوله، خمسون ذراعا في آخره خزانة مقفلة، ومفتاح القفل تحت عتبة الباب، فخذه ولطخ الباب ببقية المرارة ودم الثور وبخره بنحاتة قرونه وأظلافه وشعر ذنبه، وأدخل فإنه يستقبلك صنم في عنقه لوح من صفر مكتوب فيه جميع ما في الخزانة فخذ ما شئت ولا تعترض ميتا تجده ولا ما عليه، وكذلك كل عمود وتمثاله فإنك تجد مثل تلك الخزانة، وهذه نواويس سبعة من الملوك وكنوزهم، فلما سمع ذلك سرّ به، وامتثله فوجد ما لا يدرك وصفه، ووجد من العجائب شيئا كثيرا، فتمّ بناء المدينة وبلغ ذلك جورياق، فساءها وكانت قد أرادت إتعابه وهلاكه بالحيلة.
ويقال: إنه وجد فيما وجد درجا من ذهب مختوما فيه مكحلة زبرجد فيها ذرور أخضر، ومعها عرق أحمر من اكتحل من ذلك الذرور بالعرق، وكان أشيب عاد شابا واسودّ شعره، وأضاء بصره حتى يدرك الروحانيين، ووجد تمثالا من ذهب إذ ظهر غيمت السماء وأمطرت، وتمثال غراب من حجر إذا سئل عن شيء صوّت وأجاب عنه، ووجد في كل خزانة عشر أعجوبات.
فلما فرغ من بناء المدينة وجه إلى جورياق يحثها على القدوم إليه، فحملت إليه فرشا فاخرا ليبسطه في المجلس الذي يجلس فيه، وقالت له: اقسم جيشك أثلاثا، فانفذ إليّ ثلثه حتى إذا بلغت ثلث الطريق، فانفذ الثلث الآخر، فإذا جزت نصف الطريق، فانفذ الثلث الباقي ليكونوا من ورائي لئلا يراني أحد إذا دخلت عليك، ولا يكون عندك إلا صبية تثق بهم يخدمونك، فإني أوافيك في جوار تكفيك الخدمة، ولا أحتشمهنّ، ففعل.
وأقامت تحمل الجهاز إليه والأموال حتى علم بمسيرها فوجه إليها ثلث جيشه، فعملت لهم الأطعمة والأشربة المسمومة، وأنزلهم جواريها وحشمها، وقدّموا إليهم الأطعمة والأشربة، والطيب وأنواع اللهو، فلم يصبح منهم أحد حيا، وسارت فلقيها الثلث الآخر، ففعلت به مثل ذلك وهي توجه إليه أنها أنفذت جيشه إلى قصرها ومملكتها يحفظونهما، وسارت حتى دخلت عليه هي وظئرها وجواريها، فنفخت ظئرها في وجهه نفخة بهت إليها، ورشت عليه ما كان معها، فارتعدت أعضاؤه وقال: من ظنّ أنه يغلب النساء، فقد كذبته