وحشد الفرس عن آخرهم، واستجاش بكل من قدر عليه من الأمم فبعث الإسكندر قائدا في أسطول للغارة على بلد الفرس، ومضى الإسكندر إلى الشام، فتلقاه هنالك ملوك الدنيا خاضعين له، فعفا عن بعض، ونفى بعضا، وقتل بعضا، ومضى إلى إحراز طرسوس، وكانت مدينة زاهرة قديمة عظيمة الشأن، وأهلها قد وثقوا بعون أهل إفريقية لهم لصهر كان بينهم، فحاصرهم فيها حتى افتتحها، ومضى منها إلى رودس وإلى مصر، فانتهب الجميع، وبنى مدينة الإسكندرية بأرض مصر، وقال هروشيوش: وله في بنيانها أخبار طويلة وسياسات كرهنا تطويل كتابنا بها.
ثم إنّ دارا لمّا يئس من مصالحته أقبل في أربعمائة ألف راجل ومائة ألف فارس، فتلقى الإسكندر مقبلا من ناحية مصر في أعمال مدينة طرسوس، فكانت بينهما معركة عجيبة شنيعة اجتهادا من الروم على ما كانوا خبروه، واعتادوا من الغلبة والظفر، واجتهادا من الفرس بالتوطين على الهلاك وتفضيل الموت على الرق والعبودية، فقلما يحكى عن معركة كان القتل فيها أكثر منه في تلك المعركة، فلما نظر دارا إلى أصحابه يتغلب عليهم ويهزمون عزم على استعجال الموت في تلك الحرب بالمباشرة لها بنفسه، والصبر حتى يقتل معترضا للقتل، فلطف به بعض قوّاده حتى سلوه، فانهزم وذهبت قوّة الفرس وعزهم، وذل بعدها سلطانهم، وصار بلد المشرق كله في طاعة الروم، وانقطع ملك الفرس مدّة أربعمائة عام وخمسين عاما، واشتغل الإسكندر بتحصيل ما أصاب في عسكر الفرس والنظر فيه وقسمته على عسكره ثلاثين يوما، ثم مضى إلى مدينة الفرس التي كانت رأس مملكتهم، والتي اجتمعت فيها أموال الدنيا ونعمها، فهدمها ونهب ما فيها، فبلغه عن دارا أنه صار عند قوم مكبلا في كبول من فضة، فتهيأ وخرج في ستة آلاف، فوجده بالطريق مجروحا جراحات كثيرة، فلم يلبث أن هلك منها، فأظهر الإسكندر الحزن عليه والمرثية له، وأمر بدفنه في مقابر الملوك من أهل مملكته، وكان في أمر هذه الثلاث معارك عبرة لمن اعتبر، ووعظ لمن اتعظ، إذ قتل فيها من أهل مملكة واحدة نحو من خمسة عشر ألف ألف بين راكب وراجل من أهل بلد آسيا، وهي العراق، وقد كان قتل من أهل تلك المملكة قبل ذلك بنحو من ستين سنة نحو تسعة عشر ألف ألف إلى ألف ألف ما بين راكب وراجل من أهل بلد العراق والشام وطرسوس ومصر وجزيرة رودس، وجميع البلدان الذين درسهم الإسكندر أجمعين، وكان سلطان الدنيا مقسوما بين قوّاده بعد ما زلزل بدواهيه العظيمة العالم كله، وعمّ أهله بعضا بالمنايا الفظيعة، وبعضا بالتوطين عليها، والمباشرة لأهوالها، وأوصى عند وفاته أن يلقب كل قائم في اليونانيين بعده: ببطليموس تهويلا للأعداء لأنّ معناه الحربيّ، فهذا هو الصحيح من خبر الإسكندر فلا يلتفت إلى ما خالفه.
ويقال: إنه كان أشقر أزرق، وهو أوّل من سمر بالليل، وكان له قوم يضحكونه ويحكون له الخرافات يريد بذلك حفظ ملكه، وحراسة نفسه لا اللذة، وبه اقتدى الملوك في