يوجد في داخله حجارة وشقاف، وانفتحت الأرض، فصار فيها غور عظيم، وخرج منه لهب اشتعل حتى ظنوه بلغ السماء، ونظر أهل رومة يومئذ إلى عمود من الأرض إلى السماء لونه لون الذهب، وكان من عظمه تكاد الشمس أن تغيب منه.
ثم ولي الإسكندرية بعده كلوباطرة، سنتين، فدامت مملكة الإسكندرية، وهي الدولة المجدونية إلى أوّل ملوك قيصر الذي هو أوّل ملوك الرومانيين، مائتين وإحدى وثمانين سنة، فبعث قيصر قائدين بعساكر كثيرة لفتح مصر، فتزوّج أحدهما كلوباطرة ابنة ديوشيش الملقب بطليموس، وقتل القائد الآخر، وخالف قيصر، فسار إليه قيصر بنفسه، وجرت أمور آلت إلى فتح الإسكندرية بعد حروب، واستولى قيصر على مملكة مصر، وقتل كلوباطرة وولديها، وقتل القائد الذي تزوّجها، ويقال: بل سمت نفسها عندما تيقنت غلبة قيصر لها، ويقال: إنها كانت ذات حزم ومعرفة وتدبير، وإنها حفرت خليج الإسكندرية وأجرت فيه الماء من مصر، وبنت بالإسكندرية أبنية عجيبة منها هيكل زحل، وعملت فيه صنما من نحاس أسود، وكان أهل مصر والإسكندرية يعملون له عيدا في اليوم الثاني والعشرين من هتور، ويحتج إليه اليونانيون من سائر الأقطار، ويذبحون له ذبائح لا تحصى كثرة، فلما ظهرت ملة النصارى في الإسكندرية جعلوا هيكل زحل كنيسة ولم تزل إلى أن هدمها جيوش المعز لدين الله عند قدومهم من المغرب إلى أرض مصر في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة من سني الهجرة النبوية.
ويقال: إن كلوباطرة هي التي بنت حائط العجوز بمصر، ويشبه أن يكون هذا غير صحيح، ويقال: إنها بنت مقياسا بمدينة إخميم، ومقياسا آخر بأنصنا، ويقال: كانت مدّة ملكها ثلاثين سنة، وليس بصحيح، وبموت كلوباطرة انقطعت مملكة مصر.
وصارت تحت يد ملوك الروم من أهل مدينة رومة، ثم تحت يد ملوك الروم من أهل قسطنطينة، فلم تزل تحت أيديهم يولون فيها من قبلهم من شاءوا، فيصير إلى الإسكندرية، ويقيم بها إلى أن قدم عمرو بن العاص بالمسلمين، وفتح الله على يده الحصن والإسكندرية، وجميع أرض مصر.
ويقال: معنى كلوباطرة: الباكية، فكان جميع المدّة التي ما بين ذهاب دولة البطالسة من الإسكندرية، وقدوم عمرو بن العاص إلى مصر، وفتحها ستمائة سنة وبعضا وسبعين سنة، وفي خلال هذه المدّة قوي جانب ملوك الفرس على القياصرة، وملكوا منهم بلاد الشام، واستولوا على أرض مصر والإسكندرية في أيام كسرى أبرويز بن هرمز، فبعث قائدا إلى مصر، وملك الإسكندرية، وقتل الروم وأقاموا بالإسكندرية مدّة عشر سنين، فلما استبدّ هرقل بمملكة الروم، وخرج من القسطنطينية لجمع الأموال من سائر مملكته أخذ حماه ودمشق وسار إلى بيت المقدس، وقد خرّبها الفرس، فأمر ببنائها وسار منها إلى أرض مصر