للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيض كأحسن ما أنت راء من الصنائع.

ويقال: إن بعض ملوك مصر دخل الإسكندرية، فأعجبه هذا القصر، وأراد أن يبني مثله، فجمع الصناع والمهندسين ليقيموا له قصرا عظيما على هيئته، فما منهم إلا من اعترف بعجزه عن مثله، إلّا شيخا منهم، فإنه التزم أن يصنع مثله، فسرّ الملك ذلك، وأذن له في طلب ما يحتاج إليه من المؤن والآلات والرجال، فقال: ائتوني بثورين مطيقين وعجلة كبيرة، فللحال أتي بذلك فمضى إلى المقابر القديمة، وحفر منها قبرا أخرج منه: جمجمة عظيمة، رفعها عدّة من الرجال على العجلة، فما جرّها الثوران مع قوّتهما إلّا بعد جهد وعناء، فلما وقف بها بين يدي الملك، قال: أصلح الله سيدنا! إن أتيتني بقوم رؤوسهم مثل هذا الرأس عملت لك مثل هذا القصر؟ فتيقن الملك عند ذلك عجز أهل زمانه عن إقامة مثل ذلك القصر.

وقد ذكر: أنه كان بالإسكندرية ضرس إنسان عند قصاب، يزن به اللحم، زنته ثمانية أرطال.

ويقال: إنّ عمود السواري الموجود الآن خارج مدينة الإسكندرية، أحد سبعة أعمدة، أتي بأحدها، البتون بن مرّة العادي، وهو يحمله تحت إبطه من جبل بريم الأحمر قبليّ أسوان إلى الإسكندرية، فانكسر ضلعه، لأنه كان ضعيف القوى في قومه، فشق ذلك على يعمر بن شدّاد بن عاد، وقال: ليتني فديته بنصف ملكي، وجاء بعمود آخر، جحدر بن سنان الثموديّ، وكان قويا، فحمله من أسوان تحت إبطه، وجاء بقية رجالهم كل رجل بعمود، فأقام العمد السبعة، الجارود بن قطن المؤتفكي، وكان بناءها بعد أن اختاروا لها طالعا سعيدا، كما هي عادتهم في عامّة أعمالهم، وقد ذكر غير واحد، أن الصخور في القديم من الدهر كانت تلين، فعمل منها أعمدة، ناعط ومارب وبينون وماثر اليمن، وأعمدة دمشق ومصر ومدين وتدمر، وإنّ كل شيء كان يتكلم، قال أمية بن أبي الصلت:

وإذ هم لا لبوس لهم عراة ... وإذ صخر السلام لهم رطاب

وقال قوم: عمود السواري من جملة أعمدة كانت تحمل رواقا، يقال له: بيت الحكمة، وذلك حيث انتهت علوم أهل الغرب إلى خمس فرق، وهم: أصحاب الرواق هذا، وأصحاب الأسطوانة وكانوا ببعلبك، وأصحاب المظال وهم بأنطاكية، وأصحاب البرابي وكانوا بصعيد مصر، والمشاؤون وكانوا بمقدونية، وكأني بمن قلّ علمه ينكر عليّ إيراد هذا الفصل، ويراه من قبيل المحال، ومما وضعه القصاص، ويجزم بكذبه، فلا يوحشنك حكايتي له، واسمع قول الله تعالى عن عاد قوم هود: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً

[الأعراف/ ٦٩] أي طولا وعظم جسم.

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان أطولهم مائة ذراع، وأقصرهم ستين

<<  <  ج: ص:  >  >>