بذي شطب كلون الملح صاف ... ونفس لم تقرّ على القبيح
الشطب: سعف النخل الأخضر، الواحدة شطبة، وجشأت: ارتفعت من حزن أو فزع، وجاشت: دارت للغثيان، وقيل: هما بمعنى ارتفع، والمشيح: البارد المنكمش.
فرجع الرسول إلى عمرو فأخبره بما قال، فقال عمرو: هو ابني حقا، وصلى عمرو يومئذ صلاة الخوف، ثم فتح الله للمسلمين، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة، واتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية، فتحصن بها الروم، وكان عليها حصون متينة لا ترام، حصن دون حصن، فنزل المسلمون ومعهم رؤساء القبط يمدّونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة، فأقاموا شهرين ثم تحوّل، فخرجت عليه خيل من ناحية البحيرة مستترة بالحصن، فواقعوه، فقتل يومئذ من المسلمين، اثنا عشر رجلا، ورسل ملك الروم تختلف إلى الإسكندرية في المراكب بمادة الروم.
وكان ملك الروم يقول: لئن ظهرت العرب على الإسكندرية ففي ذلك انقطاع الروم وهلاكهم لأنه ليس للروم كنائس أعظم من كنائس الإسكندرية، وإنما كان عيد الروم حين غلبت العرب على الشام بالإسكندرية، فقال الملك: لئن غلبونا على الإسكندرية، هلكت الروم، وانقطع ملكها، فأمر بجهازه ومصلحته لخروجه إلى الإسكندرية حتى يباشر قتالها بنفسه، فلما فرغ من جهازه صرعه الله عز وجل، فأماته وكفى المسلمين مؤنته، وكان موته في سنة تسع عشرة، فكسر الله بموته شوكة الروم، فرجع جمع كثير ممن كان قد توجه.
وقال الليث: مات هرقل في سنة عشرين، وفيها فتحت قيسارية الشام. قال:
واستأسدت العرب عند ذلك، وألحت بالقتال على أهل الإسكندرية، فقاتلوهم قتالا شديدا، وخرج طرف من الروم من باب حصن الإسكندرية، فحملوا على الناس، فقتلوا رجلا من مهرة واحتزوا رأسه، ومضوا به، فجعل المهريون يتغضبون، ويقولون: لا ندفنه إلا برأسه، فقال عمرو: تتغضبون كأنكم تتغضبون على من يبالي بغضبكم، احملوا على القوم إذا خرجوا، فاقتلوا منهم رجلا ثم ارموا برأسه، يرمونكم برأس صاحبكم، فخرجت الروم إليهم فاقتتلوا، فقتل من الروم رجل من بطارقتهم، فاحتزوا رأسه، ورموا به الروم، فرمت الروم برأس المهري إليهم، فقال: دونكم الآن فادفنوا صاحبكم.
وكان عمرو يقول: ثلاث قبائل من مصر، أما مهرة فقوم يقتلون ولا يقتلون، وأما عافق فقوم يقتلون ولا يقتلون، وأما بلى فأكثرها رجلا صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأفضلها فارسا. وقال رجل لعمرو: لو جعلت المنجنيق ورميتهم به لهدم حائطهم، فقال عمرو:
تستطيع أن يفنى مقامك من الصف، وقيل له: إنّ العدوّ قد غشوك ونحن نخاف على