بلغ عمرو الكريون، فأقام عمرو ووجه إليهم وردان، فقتلهم وخرّبها فهي خراب إلى اليوم، وقيل: كان أهل الخربة، أهل تويت، وخبت، فأرسل عمرو إلى أرضهم، فأخذ له منها جراب فيه تراب من ترابها، فكلمهم فلم يجيبوه إلى شيء، فأمر بإخراجهم، ثم أمر بالتراب ففرش تحت مصلاه، ثم قعد عليه، ثم دعاهم، فكلمهم، فأجابوه إلى ما أحبّ، ثم أمر بالتراب فرفع، ثم دعاهم فلم يجيبوه إلى شيء، فعل ذلك مرارا، فلما رأى عمرو ذلك، قال: هذه بلدة لا يصلح أن توطأ، فأمر بإخرابها، فلما هزم الله الروم، أراد عثمان رضي الله عنه، أن يكون عمرو بن العاص على الحرب، وعبد الله بن سعد على الخراج، فقال عمرو:
إنا إذا كماسك البقرة بقرنيها، وآخر يحلبها؛ فأبى عمرو، وكان فتح عمرو هذا عنوة قسرا في خلافة عثمان سنة خمس وعشرين، وبينه وبين الفتح الأوّل أربع سنين. وقال الليث: كان فتح الإسكندرية الأوّل سنة اثنتين وعشرين، وكان فتحها الآخر خمسة وعشرين. وأقامت الجيش من السماء يقاتلون الناس سبع سنين بعد أن فتحت مصر مما يفتحون عليهم من تلك المياه والغياض، قال: ثم غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ذا الصواري، في سنة أربع وثلاثين.
وكان من حديث هذه الغزوة: أنّ عبد الله بن سعد لما نزل ذو الصواري أنزل نصف الناس، مع بسر بن أرطاة في البرّ، فلما مضوا أتى آت إلى عبد الله بن سعد فقال: ما كنت فاعلا حين ينزل بك ابن هرقل في ألف مركب فافعله الساعة، وكانت مراكب المسلمين مائتي مركب ونيفا، فقام عبد الله بن سعد بين ظهراني الناس، فقال: بلغني أن ابن هرقل قد أقبل إليكم في ألف مركب فأشيروا عليّ، فما كلمه رجل من المسلمين، فجلس قليلا لترجع إليهم أفئدتهم، ثم قام الثانية، فكلمهم فما كلمه أحد، فجلس. ثم قام الثالثة، فقال:
إنه لم يبق شيء فأشيروا عليّ، فقام رجل من أهل المدينة، كان متطوّعا مع عبد الله بن سعد، فقال: أيها الأمير، إنّ الله جلّ ثناؤه يقول: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
[البقرة/ ٢٤٩] ، فقال عبد الله: اركبوا، فركبوا، وإنما في كل مركب نصف شحنته، لأنه قد خرج النصف الآخر إلى البرّ مع بسر، فلقوهم، فاقتتلوا بالنبل والنشاب، وتأخر ابن هرقل، لئلاتصيبه الهزيمة، وجعلت القوارب تختلف إليه بالأخبار، فقال:
ما فعلوا؟ قالوا: قد اقتتلوا بالنبل والنشاب، فقال: غلبت الروم، ثم أتوه فقال: ما فعلوا؟
قالوا: قد نفد النبل والنشاب فهم يرمون بالحجارة، فقال: غلبت الروم، ثم أتوه فقال:
ما فعلوا؟ قالوا: قد نفدت الحجارة، وربطوا المراكب بعضها ببعض يقتتلون بالسيوف، قال: غلبت الروم، وكانت السفن إذ ذاك تقرن بالسلاسل عند القتال، قال: فقرن مركب عبد الله يومئذ وهو الأمير بمركب من مراكب العدوّ، فكان مركب العدوّ يجترّ مركب عبد الله إليهم، فقام علقمة بن يزيد القطيفيّ، وكان مع عبد الله بن سعد في المركب، فضرب السلسلة بسيفه، فقطعها فسأل عبد الله امرأته بعد ذلك، بسيسة ابنة حمزة بن يشرح، وكانت