للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الفساد والنهب والقتل ما لم يسمع بمثله، فعزله الأندلسيون، وولوا رجلا منهم يعرف بالكنانيّ، ثم حاربت بنو مدلج الأندلسيين فظفر بهم الأندلسيون ونفروهم عن البلاد، فلم يقدر بنو مدلج على الرجوع إلى أرض الإسكندرية حتى طلب السريّ من الأندلسيين أن يردّوهم، فأذنوا لهم حينئذ ورجعوا، وكان أبو قبيل يقول: أنا على الإسكندرية من أربعين مركبا مسلمين وليسوا بمسلمين، تأتي في آخر الصيف أخوف مني عليها من الروم، فيقال له: ما هذه الأربعون مركبا في هذا الخلق، لو كانت نيرانا تضطرم، فيقول: اسكت ويلك منها، وممن فيها يكون خراب الإسكندرية وما حولها، وبلغ عبد العزيز الجرويّ قتل ابن ملاك، فسار في خمسين ألفا، حتى نزل على حصن الإسكندرية، وحصرها حتى أجهد من فيها، فبلغه: أن السري بن الحكم بعث إلى تنيس بعثا، فكرّ راجعا في المحرّم سنة إحدى ومائتين، فدعا الأندلسيون للسري، ثم لما خلع أهل مصر المأمون، ودعوا لإبراهيم بن المهديّ، وقام الجرويّ بذلك سار إلى الإسكندرية وحصر الأندلسيين حتى دخلها صلحا، ودعي له بها ثم سار عنها إلى الفسطاط، فحارب السري وقتل ابنه، ثم انصرف، فسار الأندلسيون بعامل الجرويّ، وأخرجوه من الإسكندرية وخلعوا الجرويّ، ودعوا للسريّ فسار إليهم الجرويّ في شهر رمضان سنة ثلاث ومائتين، فعارضته القبط بسخا وأمدّتهم بنو مدلج، وهم في نحو من مائتي ألف فهزمهم، وبعث بجيوشه إلى الإسكندرية فحاصروها، وكانت بين السريّ وبين أهل الصعيد حروب، ثم إنّ الجرويّ سار إلى الإسكندرية سيره الرابع، وحاصرها ونصب عليها المجانيق سبعة أشهر، من أوّل شعبان سنة أربع ومائتين إلى سلخ صفر سنة خمس، فأصاب الجرويّ فلقة من حجر منجنيقة، فمات سلخ صفر سنة خمس ومائتين، وقام من بعده ابنه عليّ.

فلم تزل الفتن بالأندلسيين في الإسكندرية متصلة إلى أن قدم عبد الله بن طاهر إلى مصر من قبل أمير المؤمنين المأمون، وأخرج عبيد الله بن السريّ من مصر، وسار إلى الإسكندرية في قوّاد العجم من أهل خراسان مستهلّ صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين، فحاصرها بضع عشرة ليلة، حتى خرج إليه أهلها بأمان وصالحه الأندلسيون على أن يسيرهم من الإسكندرية حيث أحبوا، على أن لا يخرجوا في مراكبهم أحدا من أهل مصر، ولا عبدا ولا آبقا، فإن فعلوا فقد حلت له دماؤهم، ونكث عهدهم وتوجهوا، فبعث ابن طاهر، من يفتش عليهم مراكبهم، فوجدوا فيها جمعا من الذين اشترط عليهم أن لا يخرجوهم، فأمر بإحراق مراكبهم، فسألوه أن يردّهم إلى شرطهم، ففعل وساروا إلى جزيرة أقريطش، وملكوها، وكان الأمير معهم أبو حفص عمر بن عيسى، ثم ملكها ولده من بعده، وعمرها الأندلسيون إلى أن غزاها الروم سنة خمس وأربعين وثلثمائة، وملكها بعد حصار طويل، وولى على الإسكندرية إلياس بن أسد بن سامان، ورجع إلى الفسطاط في جمادى الآخرة، ثم سار إلى العراق، ولما انتقض أسفل الأرض في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين،

<<  <  ج: ص:  >  >>