وتونة، وما قاربها من تلك الجزائر يعمل بها الرفيع فليس ذلك يقارب التنيسيّ والدمياطيّ، وكان الحمل منها إلى ما بعد سنة ستين وثلثمائة، يبلغ من عشرين ألف دينار إلى ثلاثين ألف دينار لجهاز العراق، فلما تولى الوزير يعقوب بن كلس تدبير المال استأصل ذلك بالنوائب، وكان يسكن بمدينة تنيس ودمياط نصارى تحت الذمّة، وكان أهل تنيس يصيدون السماني وغير ذلك من الطير على أبواب دورهم، والسماني طائر يخرج من البحر، فيقع في تلك الشباك، وكانت السفن تركب من تنيس إلى الفرما وهي على ساحل البحر.
ولما مات هارون الرشيد، وقام من بعده ابنه محمد الأمين، وأراد الغدر والنكث بالمأمون، كان على مصر، حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل الأمين، فلما ثار عليه أهل تنو، ونمي بعث إليهم السريّ بن الحكم، وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ، فغلبا بعد الثمانية من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة، ثم ولي الأمير جابر بن الأشعث الطائيّ مصر، وصرف حاتم بن هرثمة، وكان جابر لينا، فلما تباعد ما بين محمد الأمين وبين أخيه عبد الله المأمون، وخلع محمد أخاه من ولاية العهد، وترك الدعاء له على المنابر، وعهد إلى ابنه موسى، ولقبه بالشديد ودعى له، تكلم الجند بمصر بينهم في خلع محمد غضبا للمأمون، فبعث إليهم جابر ينهاهم عن ذلك، ويخوّفهم عواقب الفتن، وأقبل السريّ بن الحكم يدعو الناس، إلى خلع محمد، وكان ممن دخل إلى مصر في أيام الرشيد من جند، الليث بن الفضل، وكان خاملا فارتفع ذكره بقيامه في خلع محمد الأمين.
وكتب المأمون إلى أشراف مصر يدعوهم إلى القيام بدعوته، فأجابوه وبايعوا المأمون في رجب سنة ست وتسعين ومائة، ووثبوا بجابر، فأخرجوه وولوا عباد بن محمد، فبلغ ذلك محمد الأمين، فكتب إلى رؤساء الحوف بولاية ربيعة بن قيس الجرشيّ، وكان رئيس قيس الحوف، فانقاد أهل الحوف كلهم معه، يمنها وقيسها، وأظهروا دعوة الأمين، وخلع المأمون، وساروا إلى الفسطاط لمحاربة أهلها واقتتلوا، فكانت بينهما قتلى، ثم انصرفوا وعادوا مرارا إلى الحرب، فعقد عباد بن محمد لعبد العزيز الجرويّ، وسيره في جيش ليحارب القوم في دارهم، فخرج في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ومائة، وحاربهم بعمريط، فانهزم الجرويّ، ومضى في قومه من لخم وجذام إلى فاقوس، فقال له قومه: لم لا تدعو لنفسك فما أنت بدون هؤلاء الذين غلبوا على الأرض؟ فمضى فيهم إلى تنيس، فنزلها ثم بعث بعماله يجبون الخراج من أسفل الأرض، فبعث ربيعة بن قيس يمنعه من الجباية، وسار أهل الحوف في المحرّم سنة ثمان وتسعين إلى الفسطاط، فاقتتلوا، وقتل جمع من الفريقين، وبلغ أهل الحوف قتل الأمين، فتفرّقوا.
وولي إمرة مصر، مطلب بن عبد الله الخزاعيّ من قبل المأمون، فدخلها في ربيع الأوّل، وولى عبد العزيز الجرويّ شرطته، ثم عزله وعقد له على حرب أسفل الأرض، ثم