للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: كان الرجل يأخذ خيطا، ويضع فيه وهقه، ويلقيه في ذنب الحوت، وهو بتحريك الهاء وإسكانها، حبل كالطول، ويجعل في الطرف الآخر من الخيط وتدا، ويتركه كذلك إلى يوم الأحد، ثم تطرّق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلي حتى كثر الصيد للحيتان، ومشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده، فقامت طائفة من بني إسرائيل، وجاهرت بالنهي، واعتزلت وقالت: لا نساكنكم، فقسموا القرية بجدار، فأصبح الناهون، ذات يوم في مجالسهم، ولم يخرج من المعتدين أحد، فقالوا: إنّ للناس لشأنا، فعلوا على الجدار فإذا هم قردة، فدخلوا عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، فجعلت تأتيهم فتشم ثيابهم، وتبكي، فيقول الناهون للقردة: ألم ننهكم، فتقول برأسها: نعم. قال قتادة:

فصارت الشباب قردة، والشيوخ خنازير، فما نجا إلا الذين نهوا، وهلك سائرهم.

وقيل: إنّ ذلك كان في زمن نبيّ الله داود عليه السلام، وقيل: إنّ أيلة أصلها أيليالية، وقد وقع ذكرها في التوراة كذلك، وقال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ: دكالة من البربر، بطن من المصامدة، وقالت طائفة: إنّ دكالة ولد أيلة، ويقال: أيل الذي سميت به عقبة أيلة، وأخر، أنهم من دغفل بن أيلة، وأنهم يعزون إلى البربر، ويقولون: نحن من ربيعة الفرس، وفي ذلك خلاف عظيم.

وذكر المسعوديّ: أن يوشع بن نون عليه السلام حارب السميدع بن هزبر بن مالك العمليقيّ، ملك الشام، ببلد أيلة نحو مدين وقتله، واحتوى على ملكه، وفي ذلك يقول عون بن سعيد الجرهميّ:

ألم تر أن العملقيّ بن هرمز ... بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا

تداعت عليه من يهود جحافل ... ثمانون ألفا حاسرين ودرّعا

وهي أبيات كثيرة. وقال ابن إسحاق: فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أتاه تحية بن روبة صاحب أيلة فصالحه، وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح، فأعطوه الجزية، وكتب لهم كتابا فهو عندهم، وكتب لتحية بن روبة: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمنة من الله ومحمد النبيّ رسوله لتحية بن روبة وأهل أيلة أساقفهم وسائرهم في البرّ والبحر لهم ذمّة الله وذمّة النبيّ، ومن كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ما يريدونه ولا طريقا يريدونه من برّ أو بحر» . هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة، بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في سنة تسع من الهجرة، ولم تزل مدينة أيلة عامرة آهلة.

وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة، طرق عبد الله بن إدريس الجعفري أيلة ومعه بعض بني الجرّاح ونهبها وأخذ منها ثلاثة آلاف دينار، وعدّة غلال، وسبى النساء والأطفال، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>