للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بثغر أسوان، بنو الكنز من ربيعة أمراء ممدوحون مقصودون، صنع لهم الفاضل الشديد، أبو الحسن بن عرام سيرة، ذكر فيها مناقبهم، وأسماء من مدحهم ومن ورد عليهم، ولما أرسل السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب جيشا إلى كنز الدولة وأصحابه ترحلوا عن البلاد، فدخلوا بيوتهم، فوجدوا بها قصائد من مدحهم منها، قصيدة أبي محمد الحسن بن الزبير قال فيها:

وينجده إن خانه الدهر أوسطا ... أناس إذا ما أنجد الذل اتهموا

أجاروا فما تحت الكواكب خائف ... وجادوا فما فوق البسيطة معدم

وأنه أجازه عليها بألف دينار، ووقف عليه ساقية تساوي ألف دينار، وكان بأسوان رجال من العسكر مستعدون بالأسلحة لحفظ الثغر من هجوم النوبة والسودان عليه، فلما زالت الدولة الفاطمية أهمل ذلك، فسار ملك النوبة في عشرة آلاف، ونزله تجاه أسوان في جزيرة وأسر من كان فيها من المسلمين، ثم تلاشى بعد ذلك أمر الثغر، واستولى عليه أولاد الكنز من بعد سنة تسعين وسبعمائة، فأفسدوا فسادا كبيرا، وكانت لهم مع ولاة أسوان عدّة حروب إلى أن كانت المحن منذ سنة ست وثمانمائة، وخرب إقليم الصعيد، فارتفعت يد السنة عن ثغر أسوان، ولم يبق للسلطان في مدينة أسوان وال، واتضع حاله عدّة سنين، ثم زحفتّ هوّارة في محرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة إلى أسوان، وحاربت أولاد الكنز وهزموهم، وقتلوا كثيرا من الناس، وسبوا ما هناك من النساء والأولاد، واسترقوا الجميع وهدموا سور مدينة أسوان، ومضوا بالسبي، وقد تركوها خرابا يبابا لا سكن بها، فاستمرت على ذلك بعد ما كانت بحيث يقول عنها عبد الله بن أحمد بن سليم الأسوانيّ في كتاب أخبار النوبة: أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن عبد الحميد العمريّ، لما غلب على المعدن كتب إلى أسوان يسأل التجار الخروج إليه بالجهاز من طريق المعدن، فخرج إليه رجل يعرف بعثمان بن حيخلة التميميّ في ألف راحلة فيها الجهاز والبرّ.

وذكر أنّ العمريّ لما عاد إلى بلاد البجة بعد حروبه للنوبة، كثرت العمارة حتى صارت الرواحل التي تحمل الميرة إليهم من أسوان، ستين ألف راحلة، غير الجلاب التي تحمل من القلزم إلى عيذاب، قال: ومما شاهده جماعة من شيوخنا الثقات بأسوان بقرية تدعى أساشي، هي من أسوان على مرحلتين ونصف، أنهم رأوا شرقها من جانب النيل قرية بسور، وخارج بابها جميزة وناس يدخلون ويخرجون، فإذا عبروا إلى الموضع لم يجدوا شيئا، وهذا يكون في الشتاء دون الصيف قبل طلوع الشمس، والناس مجمعون على رؤيتها، وصحة هذا الخبر، وكان بها أنواع من التمر وأنواع من الرطب منها نوع من الرطب، أشدّ ما يكون من خضرة السلق.

وأمر هارون الرشيد، أن يجمع له من ألوان تمر أسوان من كل صنف، تمرة واحدة،

<<  <  ج: ص:  >  >>