للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم نطلب علما من علومهم، وإلى هذا الشيخ، فما شقانا أحد منهم، فقلت: أصلح الله الأمير، إنّ الذي طلبت من خبر النوبة عندي، قد حفظه شيوخ عن الشيوخ الذين حضروا هناك، والهدنة والصلح الذي جرى بين عبد الله بن سعد، وبين النوبة، ثم حدّثته عن أخبارهم، كما سمعت فأنكر عطية الخمر، فقلت: قد أنكرها عبد العزيز بن مروان، وكان هذا المجلس بفسطاط مصر سنة إحدى عشرة ومائتين، بعد أن تم الصلح بينه وبين عبد الله بن السريّ بن الحكم التميميّ الأمير كان قبله، قال عثمان بن صالح، فوجه الأمير إلى الديوان بظهر المسجد الجامع بمصر، فاستخرج منه خبر النوبة، فوجده كما ذكرت، فسرّه ذلك.

وعن مالك بن أنس: أنه كان يرى أنّ أرض النوبة إلى حدّ علوة صلح، وكان لا يجيز شراء رقيقهم، وكان أصحابه مثل عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الله بن وهب، والليث بن سعد، ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم من فقهاء مصر، يرون خلاف ذلك.

قال الليث بن سعد: نحن أعرف بأرض النوبة من الإمام مالك بن أنس، إنما صولحوا على أن لا تغزوهم، ولا تمنع منهم عدوّا فما استرقه متملكهم، أو غزا بعضهم بعضا، فشراؤه جائز، وما استرقه بغاة المسلمين وسرّاقهم، فغير جائز، وكان عند جماعة منهم جوار نوبيات لفرشهم، ولم يزل النوبة يؤدّون البقط في كل سنة، ويدفع إليهم ما تقدّم ذكره إلى أيام أمير المؤمنين المعتصم بالله، أبي إسحاق بن الرشيد، وكبير النوبة، يومئذ زكرياء بن بجنس، وكانت النوبة، ربما عجزت عن دفع البقط، فشنت الغارة عليهم ولاة المسلمين القريبون من بلادهم، ويمنع من إخراج الجهاز إليهم، فأنكر فيرقي ولد كبيرهم زكرياء على أبيه، بذله الطاعة لغيره، واستعجزه فيما يدفع، فقال له أبوه فما تشاء، قال:

عصيانهم ومحاربتهم، قال أبوه: هذا شيء رآه السلف من آبائنا صوابا وأخشى أن يفضي هذا الأمر إليك فتقدم على محاربة المسلمين، غير أني أوجهك إلى ملكهم رسولا، فأنت ترى حالنا وحالهم فإن رأيت لنا بهم طاقة حاربناهم على خبرة وإلا سألته الإحسان إلينا، فشخص فيرقى إلى بغداد، وكانت البلدان تزين له ويسير على المدن، وانحدر بانحداره رئيس البجة بأسبابه، ولقيا المعتصم، فنظروا إلى ما بهرهما من حال العراق في كثرة الجيوش، وعظم العمارة مع ما شاهداه في طريقهما، فقرّب المعتصم فيرقي وأدناه وأحسن إليه إحسانا تامّا، وقبل هديته، وكافأه بأضعافها، وقال له: تمنّ ما شئت، فسأله في إطلاق المحبوسين فأجابه إلى ذلك، وكبر في عين المعتصم ووهب له الدار التي نزلها بالعراق وأمر أن يشتري له في كل منزل من طريقه دار تكون لرسلهم، فإنه امتنع من دخول دار لأحد في طريقه فأخذ له بمصر: دار بالجيزة، وأخرى ببني وائل، وأجرى لهم في ديوان مصر سبعمائة دينار وفرسا وسرجا ولجاما وسيفا محلّى وثوبا مثقلا وعمامة من الخز وقميص شرب ورداء شرب وثيابا لرسله غير محدودة عند وصول البقط إلى مصر، ولهم حملان وخلع على المتولي لقبض

<<  <  ج: ص:  >  >>