للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بذلك يخبره، أنّ همدان وآل ذي أصبح ويافعا ومن كان معهم أحبوا المقام بالجيزة، فكتب إليه كيف رضيت أن تفرّق عنك أصحابك، وتجعل بينك وبينهم بحرا لا تدري ما يفجأهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم، فاجمعهم إليك، ولا تفرّقهم فإن أبوا وأعجبهم مكانهم، فابن عليهم حصنا من فيء المسلمين، فجمعهم عمرو وأخبرهم بكتاب عمر فامتنعوا من الخروج من الجيزة، فأمر عمرو ببناء الحصن عليهم، فكرهوا ذلك، وقالوا: لا حصن أحصن لنا من سيوفنا، وكرهت ذلك همدان ويافع، فأقرع عمرو بينهم، فوقعت القرعة على يافع، فبنى فيهم الحصن في سنة إحدى وعشرين، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين عشرين، وأمرهم عمرو بالخطط بها، فاختط ذو أصبح من حمير من الشرق، ومضوا إلى الغرب، حتى بلغوا أرض الحرث والزرع، وكرهوا أن يبني الحصن فيهم، واختط يافع بن الحرث من رعين، بوسط الجيزة وبنى الحصن في خططهم وخرجت طائفة منهم عن الحصن أنفه منه، واختطت بكيل بن جشم من نوف من همدان في مهب الجنوب من الجيزة في شرقيها، واختطت حاشد بن جشم من نوف في مهب الشمال من الجيزة في غربيها، واختطت الجباوية بنو عامر بن بكيل في قبليّ الجيزة، واختطت بنو حجر بن أرحب بن بكيل في قبليّ الجيزة، واختط بنو كعب بن مالك بن الحجر بن الهبو بن الأزد، فيما بين بكيل ويافع، والحبشة اختطوا على الشارع الأعظم.

والمسجد الجامع بالجيزة بناه محمد بن عبد الله الخازن في المحرّم سنة خمسين وثلثمائة بأمر الأمير عليّ بن الإخشيد، فتقدّم كافور، إلى الخازن ببنائه، وعمل له مستغلا، وكان الناس قبل ذلك بالجيزة يصلون الجمعة في مسجد همدان، وهو مسجد مراحق بن عامر بن بكيل، كان يجمع فيه الجمعة في الجيزة، وشارف بناء هذا الجامع الخازن، أبو الحسن بن أبي جعفر الطحاويّ، واحتاجوا إلى عمد للجامع، فمضى الخازن في الليل إلى كنيسة بأعمال الجيزة فقلع عمدها، ونصب بدلها أركانا، وحمل العمد إلى الجامع، فترك أبو الحسن بن الطحاويّ الصلاة فيه مذ ذاك تورّعا.

قال اليمنيّ: وقد كان ابن الطحاويّ، يصلي في جامع الفسطاط العتيق، وبعض عمده أو أكثرها ورخامه من كنائس الإسكندرية، وأرياف مصر، وبعضه بناه قرّة بن شريك، عامل الوليد بن عبد الملك، ويقال: إنّ بالجيزة قبر كعب الأحبار، وإنه كان بها أحجار ورخام قد صوّرت فيها التماسيح، فكانت لا تظهر فيما يلي البلد من النيل، مقدار ثلاثة أميال علوا وسفلا.

وفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة منع الملك الناصر، محمد بن قلاون، الوزير أن يتعرّض إلى شيء مما يتحصل من مال الجيزة، فصار جميعه يحمل إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>