من الشام، فلم يسع ابن المشطوب إلا امتثال ما قال المعظم لأنه معه بمفرده، ولا قدرة له على الممانعة، فساروا به إلى حماه، ثم مضى منها إلى المشرق، ولما شيّع الملك المعظم ابن المشطوب رجع إلى الملك الكامل، وأمر أخاه الفائز إبراهيم أن يسير إلى ملوك الشام في رسالة عن أخيه الملك الكامل لاستدعائهم إلى قتال الفرنج، فمضى إلى دمشق وخرج منها إلى حماه، فمات بها مسموما على ما قيل، فثبت للملك الكامل، أمر الملك وسكن روعه، هذا والفرنج قد أحاطوا بدمياط برّا وبحرا، وأحدقوا وضيقوا على أهلها، ومنعوا القوت من الوصول إليهم، وحفروا على عسكرهم المحيط بدمياط خندقا، وبنوا عليه سورا، وأهل دمياط يقاتلونهم أشدّ القتال، ويمانعونهم، وقد غلت عندهم الأسعار لقلّة الأقوات، ثم إنّ المعظم فارق الملك الكامل، وسار إلى بلاد الشام.
وأقام الكامل لمحاربة الفرنج، وانتدب شمائل أحد الجاندارية «١» في الركاب للدخول إلى دمياط، فكان يسبح في الماء، ويصل إلى أهل دمياط، فيعدهم بوصول النجدات، فحظي بذلك عند الكامل، وتقرّب منه، حتى عمله والي القاهرة، وإليه تنسب خزانة شمائل بالقاهرة، فلم يزل الحال على ذلك إلى أن دخلت سنة ست عشرة، فجهز الملك المنصور محمد بن عمرو بن شاهنشاه بن أيوب، صاحب حماه ابنه المظفر تقيّ الدين محمودا إلى مصر نجدة لخاله الملك الكامل على الفرنج في جيش كثيف، فوصل إلى العسكر، وتلقاه الملك الكامل، وأنزله في ميمنة العسكر منزلة أبيه وجدّه عند السلطان صلاح الدين يوسف، فألح الفرنج في القتال، وكان بدمياط نحو العشرين ألف مقاتل، فنهكتهم الأمراض وغلت عندهم الأسعار حتى بلغت بيضة الدجاجة عندهم عدّة دنانير.
قال الحافظ عبد العظيم المنذري «٢» : سمعت الشيخ أبا الحسن عليّ بن فضل يقول:
كان لبعض بني خيار، بقرة فذبحوها، وباعوها في الحصار، فجاءت ثمانمائة دينار.
وقال في المعجم المترجم: سمعت الأمير أبا بكر بن حسن بن خسويام يقول: كنت بدمياط في حصار العدوّ بها، فبيع السكز بها بمائة وأربعين دينارا الرطل، والدجاجة بثلاثين دينارا، قال: واشتريت ثلاث دجاجات بتسعين دينارا، والرواية بأربعين درهما، والقبر يحفر بأربعين مثقالا، وأخذت أختي جملا، فشقت جوفه وملأته دجاجا وفاكهة وبقلا، وغير ذلك، وخاطته ورمته في البحر، وكتبت إليّ تقول: قد فعلت كذا، فإذا رأيتم جملا ميتا، فخذوه فوقع لنا ليلا، فأخذناه وكان فيه ما يساوي جملة، ففرّقته على الناس، ثم عمل بعد