ملكت دمياط بأيدي المسلمين، فإنها لو قدمت قبل ذلك لقوى بها الفرنج، فإنّ المسلمين وجدوا مدينة دمياط، قد حصنها الفرنج، وصارت بحيث لا ترام، ولما تمّ الأمر بعث الفرنج بولد السلطان، وأمرائه إليه، وسيّر إليهم السلطان من كان عنده من الملوك في الرهن، وتقرّرت الهدنة بين الفرنج والمسلمين، مدّة ثماني سنين، وكان مما وقع الصلح عليه أن كلا من المسلمين والفرنج يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته، وحلفت ملوك الفرنج، وتفرّق الناس إلى بلادهم.
ودخل الملك الكامل إلى دمياط بإخوته وعساكره، وكان يوم دخوله إليها من الأيام المذكورة ورحل الفرنج إلى بلادهم، وعاد السلطان إلى مقرّ ملكه، وأطلقت الأسرى من ديار مصر، وكان فيهم من له من أيام السلطان صلاح الدين يوسف، وسارت ملوك الشام بعساكرها إلى بلادها، وعمت بشارة أخذ المسلمين مدينة دمياط من الفرنج، سائر الآفاق، فإنّ التتر كانوا قد استولوا على ممالك المشرق، فأشرف الفرنج على أخذ ديار مصر من أيدي المسلمين، وكانت مدّة نزول الفرنج على دمياط إلى أن أقلعوا عنها سائرين إلى بلادهم، ثلاث سنين وأربعة أشهر وتسعة عشر يوما منها مدّة استيلائهم على مدينة دمياط سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرون يوما.
فلما كان في سنة ست وأربعين وستمائة حدث بالسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل، محمد ورم في مأبضه تكوّن منه، ناصور فتح وعسر برؤه، فمرض من ذلك، وانضاف إليه قرحة في الصدر، فلزم الفراش إلا أنّ علوّ همته اقتضى مسيره من ديار مصر إلى الشام فسار في محفة، ونزل بقلعة دمشق، فورد عليه رسول الإمبراطور ملك الفرنج الألمانية بجزيرة صقلية في هيئة تاجر، وأخبره سرّا بأن بواش الذي يقال له: رواد فرنس، عازم على المسير إلى أرض مصر، وأخذها فسار السلطان من دمشق، وهو مريض في محفة، ونزل بأشموم طناح في المحرّم سنة سبع وأربعين، وجمع في مدينة دمياط من الأقوات والأزواد والأسلحة وآلات القتال شيئا كثيرا خوفا أن يجري على دمياط ما جرى في أيام أبيه، فأخذت بغير ذلك.
ولما نزل السلطان، بأشموم كتب إلى الأمير حسام الدين أبي عليّ بن عليّ الهديانيّ، نائبه بديار مصر، أن يجهز الأسطول من صناعة مصر، فشرع في الاهتمام بذلك وشحن الأسطول بالرجال والسلاح، وسائر ما يحتاج إليه وسيره شيئا بعد شيء، وجهز السلطان الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ، ومعه الأمراء والعساكر، فنزل بحيرة دمياط من برّها الغربيّ، وصار النيل بينه وبينها، فلما كان في الساعة الثانية من نهار الجمعة لتسع بقين من صفر وردت مراكب الفرنج البحريين فيها جموعهم العظيمة وقد انضم إليهم فرنج الساحل وأرسوا بإزاء المسلمين.