فلما كان أوّل يوم من ذي الحجة، أخذ الفرنج من المراكب في بحر المحلة سبع حراريق، وفرّ من كان فيها من المسلمين، وفي يوم عرفة برزت الشواني الإسلامية إلى مراكب قدمت للفرنج فيها ميرة، فأخذت منها اثنين وثلاثين مركبا منها تسع شواني، فوهنت قوّة الفرنج، وتزايد الغلاء عندهم، وشرعوا في طلب الهدنة من المسلمين، على أن يسلموا دمياط، ويأخذوا بدلا منها القدس، وبعض بلاد الساحل، فلم يجابوا إلى ذلك، فلما كان اليوم السابع والعشرون من ذي الحجة، أحرق الفرنج أخشابهم كلها، وأتلفوا مراكبهم، يريدون التحصن بدمياط، ورحلوا في ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرّم سنة ثمان وأربعين وستمائة إلى دمياط، وأخذت مراكبهم في الانحدار قبالتهم، فركب المسلمون أقفيتهم بعدما عدّوا إلى برّهم وطلع الفجر من يوم الأربعاء، وقد أحاط المسلمون بالفرنج، وقتلوا وأسروا منهم كثيرا، حتى قيل: إن عدد من قتل من الفرسان على فارسكور «١» ، يزيد على عشرة آلاف، وأسر من الخيالة والرجال والصناع والسوقة، ما يناهز مائة ألف، ونهب من المال والذخائر والخيول والبغال، ما لا يحصى، وانحاز الملك رواد فرنس، وأكابر الفرنج إلى تلّ، ووقفوا مستسلمين، وسألوا الأمان، فأمنهم الطواشي جمال الدين محسن الصالحيّ، ونزلوا على أمانة.
وأحيط بهم وسيقوا إلى المنصورة، فقيد رواد فرنس، واعتقل في الدار التي كان ينزل فيها القاضي، فخر الدين إبراهيم بن لقمان، كاتب الإنشاء، ووكل به الطواشي صبيح المعظميّ، واعتقل معه أخوه ورتب له راتب يحمل إليه في كل يوم، ورسم الملك المعظم لسيف الدين يوسف بن الطوري أحد من وصل صحبته من الشرق أن يتولى قتل الأسرى، فكان يخرج منهم كل ليلة، ثلثمائة رجل ويقتلهم، ويلقيهم في البحر حتى فنوا. ولما قبض على الملك رواد فرنس، رحل الملك المعظم من المنصورة، ونزل بالدهليز السلطانيّ على فارسكور وعمل له برجا من خشب وتراخى في قصد دمياط، وكتب بخطه إلى الأمير جمال الدين بن يغمور، نائبه بدمشق وولده توران شاه.
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وما النصر إلا من عند الله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وأما بنعمة ربك فحدّث، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، نبشر المجلس السامي الجماليّ، بل نبشر المسلمين كافة بما منّ الله به على المسلمين، من الظفر بعدوّ الدين فإنه كان قد استكمل أمره، واستحكم شرّه، ويئس العباد من البلاد، والأهل والأولاد فنودوا ألا تيأسوا من روح الله.
ولما كان يوم الاثنين مستهلّ السنة المباركة، وهي سنة ثمان وأربعين وستمائة، تمم