ميلا، ثم إلى القلنسوة عشرون ميلا، ثم إلى الرملة مدينة فلسطين أربعة وعشرون ميلا، والطريق من الرملة إلى أزدود اثنا عشر ميلا، ثم إلى غزة عشرون ميلا، ثم إلى العريش أربعة وعشرون ميلا في رمل، ثم إلى الورادة ثمانية عشر ميلا، ثم إلى أم العرب عشرون ميلا، ثم إلى الفرما أربعة وعشرون ميلا، ثم إلى جرير ثلاثون ميلا، ثم إلى القاصرة أربعة وعشرون ميلا، ثم إلى مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلا، ثم إلى بلبيس أحد وعشرون ميلا، ثم إلى الفسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلا، فهذا كما ترى. إنما كان الدرب المسلوك من مصر إلى دمشق، على غير ما هو الآن، فيسلك من بلبيس إلى الفرما في البلاد التي تعرف اليوم ببلاد السباخ من الحوف، ويسلك من الفرما وهي بالقرب من قطية إلى أم العرب، وهي بلاد خراب على البحر، فيما بين قطية والورادة، ويقصدها قوم من الناس، ويحفرون في كيمانها، فيجدون دراهم من فضة خالصة ثقيلة الوزن، كبيرة المقدار، ويسلك من أم العرب، إلى الورادة وكانت بلدة في غير موضعها الآن، قد ذكرت في هذا الكتاب.
فلما خرج الفرنج من بحر القسطنطينية في سنة تسعين وأربعمائة لأخذ البلاد من أيدي المسلمين، وأخذ بغدوين الشوبك وعمّره في سنة تسع وخمسمائة، وكان قد خرب من تقادم السنين، وأغار على العريش، وهو يومئذ عامر، بطل السفر حينئذ من مصر إلى الشام، وصار يسلك على طريق البرّ مع العرب مخافة الفرنج إلى أن استنقذ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، بيت المقدس من أيدي الفرنج في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وأكثر من الإيقاع بالفرنج، وافتتح منهم عدّة بلاد بالساحل، وصار يسلك هذا الدرب على الرمل، فسلكه المسافرون من حينئذ إلى أن ولي ملك مصر، الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، فأنشأ بأرض السباخ على طرف الرمل بلدة عرفت إلى اليوم بالصالحية، وذلك في سنة أربع وأربعين وستمائة، وصار ينزل بها ويقيم فيها، ونزل بها من بعده الملوك.
فلما ملك مصر الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ، رتب البريد في سائر الطرقات، حتى صار الخبر يصل من قلعة الجبل إلى دمشق في أربعة أيام، ويعود في مثلها، فصارت أخبار الممالك ترد إليه في كل جمعة مرّتين، ويتحكم في سائر ممالكه بالعزل والولاية، وهو مقيم بالقلعة، وأنفق في ذلك مالا عظيما حتى تم ترتيبه، وكان ذلك في سنة تسع وخمسين وستمائة، وما زال أمر البريد مستمرّا فيما بين القاهرة ودمشق، يوجد بكل مركز من مراكزه عدّة من الخيول المعدّة للركوب، وتعرف بخيل البريد، وعندها عدّة سوّاس، وللخيل رجال يعرفون بالسوّاقين، وأحدهم سوّاق يركب مع رسم بركوبه، خيل البريد ليسوق له فرسه، ويخدمه مدّة مسيره، ولا يركب أحد خيل البريد إلا بمرسوم سلطانيّ، فتارة يمنع الناس من ركوبه إلا من انتدبه السلطان لمهماته،