للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعين شمس نبت يزرع كالقضبان يسمى البلسم، يتخذ منه دهن البلسان لا يعرف بمكان من الأرض إلا هناك، وتؤكل لحمى هذه القضبان، فيكون له طعم، وفيه حرارة، وحرافة لذيذة.

وبناحية المطرية من حاضرة عين شمس، البلسان، وهو شجر قصار يسقى من ماء بئر هناك، وهذه البئر، تعظمها النصارى وتقصدها، وتغتسل بمائها، وتستشفي به، ويخرج لاعتصار البلسان أوان إدراكه من قبل السلطان، من يتولى ذلك، ويحفظه ويحمل إلى الخزانة السلطانية، ثم ينقل منه إلى قلاع الشام، والمارستانات لمعالجة المبرودين، ولا يؤخذ منه شيء إلا من خزانة السلطان بعد أخذ مرسوم بذلك، ولملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج فيه غلوّ عظيم، وهم يتهادونه من صاحب مصر، ويرون أنهم لا يصح عندهم لأحد أن يتنصر إلا أن ينغمس في ماء المعمودية، ويعتقدون أنه لا بدّ أن يكون في ماء المعمودية شيء من دهن البلسان، ويسمونه: الميرون.

وكان في القديم، إذا وصل من الشام خبر انتهى إلى صاحب عين شمس، ثم يرد من عين شمس إلى الحصن الذي عرف بقصر الشمع حيث الآن مدينة مصر، ثم يرد من الحصر إلى مدينة منف، حيث كانت منف تحت الملك.

وسبب تعظيم النصارى لدهن البلسان، ما ذكره في كتاب السنكسار، وهو يشتمل على أخبار النصارى: أنّ المسيح لما خرجت به أمّه، ومعهما يوسف النجار من بيت المقدس فرارا من هيرودس ملك اليهود، نزلت به أول موضع من أرض مصر، مدينة بسطة في رابع عشري بشنس، فلم يقبلهم أهلها، فنزلوا بظاهرها، وأقاموا أياما، ثم ساروا إلى مدينة سمنود، وعدّوا النيل إلى الغربية، ومشوا إلى مدينة الأشمونين، وكان بأعلاها إذ ذاك، شكل فرس من نحاس قائم على أربعة أعمدة، فإذا قدم إليها غريب صهل، فجاءوا ونظروا في أمر القادم، فعندما وصلت مريم بالمسيح عليه السلام، إلى المدينة سقط الفرس المذكور، وتكسر فدخلت به أمّه، وظهرت له عليه السلام في الأشمونين آية، وهو أنّ: خمسة جمال محملة زاحمتهم في مرورهم، فصرخ فيها المسيح في الأشمونين، فصارت حجارة، ثم إنهم ساروا من الأشمونين، وأقاموا بقرية تسمى: فيلس مدّة أيام، ثم مضوا إلى مدينة تسمى:

قس وقام، وهي التي يقال لها اليوم: القوصية، فنطق الشيطان من أجواف الأصنام التي بها، وقال: إنّ امرأة أتت، ومعها ولدها يريدون أن يخربوا بيوت معابدكم، فخرج إليهم مائة رجل بسلاحهم، وطردوهم عن المدينة، فمضوا إلى ناحية ميرة في غربيّ القوصية، ونزلوا في الموضع الذي يعرف اليوم بدير المحرق، وأقاموا به ستة أشهر وأياما، فرأى يوسف النجار في منامه قائلا يخبره بموت هيرودس، ويأمره أن يرجع بالمسيح إلى القدس، فعادوا من ميرة حتى نزلوا حيث الموضع الذي يعرف اليوم في مدينة مصر بقصر الشمع، وأقاموا بمغارة تعرف اليوم بكنيسة بوسرجة، ثم خرجوا منها إلى عين شمس، فاستراحوا هناك

<<  <  ج: ص:  >  >>