طوق منظوم بذهب مشدّد بجوهر أحمر ودرّ فاخر، وفي وسطه منطقة ذهب فيها لوالب جوهر ملوّن، ولها معاليق منظومة، وألبسنه خفين أبيضين منقوشين بأخضر على نقوش ذهب، وجعلن للقباء الذي عليه وشاحين وإفراور يحيط بأسفله وكميه من جوهر أخضر، وعقرين صدغيه على خديه، وكحلن عينيه، ودفعن إليه مذبة شعرها أخضر.
فلما فرغ النساء من طعامهنّ، وشربن أقداحا قدّمت إليهنّ سكاكين قبضهنّ من جوهر ليقطعن بها الفاكهة، فيقال: إنهنّ أخذن أترجا، وهنّ يقطعنه إذ قالت لهنّ: قد بلغني حديثكنّ في أمري مع عبدي، فقلن لها: الأمر كما بلغك لأنك أعلى قدرا من هذا، ومثلك يرتفع عن أولاد الملوك لحسنك وشرفك، فكيف ترضين بغلامك؟ فقالت: لم يبلغكنّ الصدق، ولا هو عندي بهذا، وأو مأت إلى المواشط أن يخرجن يوسف، فرفعن الستور عن المجلس الذي يحاذي مجلسها، وبرز منه يوسف محاذيا بوجهه الشمس، فأشرق المجلس، وما فيه من وجه يوسف، وأقبل بالمذبة، وهنّ يرمقنه.
فوقف على رأس زليخا يذب عنها، فاشتغل النساء برؤيته، وجعلن يقطعن أيديهنّ موضع الفاكهة التي كانت معهنّ، ولا يعين الكلام ذهولا منهنّ بما رأين من حسن يوسف! فقالت لهنّ زليخا ما لكنّ قد اشتغلتن عن خطابي بالنظر إلى عبدي؟ فقلن: معاذ الله ما هذا عبدك؟ إن هذا إلّا ملك كريم، ولم يبق منهنّ امرأة إلا حاضت، وأنزلت شهوة من محبته «١» ، فقالت زليخا عند ذلك: فهذا الذي لمتني فيه، فقلن: ما ينبغي لأحد أن يلومك في هذا، ومن لامك فقد ظلمك فدونكه، قالت: قد فعلت، فأبى عليّ، فخاطبنه لي.
فكانت كل واحدة منهنّ تخاطبه وتدعوه سرّا إلى نفسها، وتبتذل له، وهو يمتنع عليها فإذا يئست منه أن يجيبها لنفسها خاطبته من جهة زليخا، وقالت: مولاتك تحبك وأنت تكرهها، ما ينبغي أن تخالفها، فقال: ما لي بذلك حاجة، فلما رأين ذلك أجمعن على أخذه غصبا، فقالت زليخا: لا يجوز هذا لكنه إن لم يفعل لأمنعنه اللذات ولأسجننه وأنتزع جميع ما أعطيته، فقال يوسف: رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه، فأقسمت بإلهها وكان صنما من زبرجد أخضر باسم عطارد إنه إن لم يفعل لتعجلن له ذلك.
ثم أمرت بنزع ثيابه، وألبسته الصوف، وسألت العزيز حبسه ليزول ما قذفها به، فأمر به فحبس، ورأى الملك في منامه كأن آتيا أتاه، فقال له: إن فلانا وفلانا قد عزما على قتلك يريد صاحبي طعامه وشرابه، فلما أصبح قرّرهما فاعترفا له، وقيل: اعترف أحدهما، وأنكر الآخر فأمر بحبسهما، وكان اسم صاحب الطعم راسان، واسم صاحب الشراب مرطس،