العرب في جهالتها تنظر إلى فضل ما بين سنتهم، وسنة القمر، وهو عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس ساعة، فيلحقون ذلك بها شهرا كلما تمّ منها ما يستوفي أيام شهر، ولكنهم كانوا يعملون على أنه عشرة أيام وعشرون ساعة، وكان يتولى ذلك النّسأة من بني كنانة المعروفون بالقلامس، وأحدهم قلمس، وهو البحر الغزير، وهو أبو تمام جنادة بن عوف بن أمية بن قلع، وأوّل من فعل ذلك منهم: حذيفة بن عبد فقيم، وآخر من فعله أبو تمامة، وأخذ العرب الكبس من اليهود قبل مجيء دين الإسلام بنحو المائتي سنة، وكانوا يكبسون في كل أربعة وعشرين سنة، تسعة أشهر حتى تبقى أشهر السنة ثابتة مع الأزمنة على حالة واحدة لا تتأخر عن أوقاتها، ولا تتقدّم إلى أن حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل الله تعالى عليه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
[التوبة/ ٣٧] ، فخطب صلّى الله عليه وسلّم وقال:«إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض فبطل النسيء، وزالت شهور العرب عما كانت عليه، وصارت أسماؤها غير دالة على معانيها» .
وأما أهل الهند فإنهم يستعملون رؤية الأهلة في شهورهم، ويكبسون كل تسعمائة سنة وسبعين يوما بشهر قمريّ، ويجعلون ابتداء تاريخهم: اتفاق اجتماع في أوّل دقيقة من برج ما، وأكثر طلبهم لهذا الاجتماع أن يتفق في إحدى نقطتي الاعتدالين، ويسمون السنة الكبيسة بذمات فهذه آراء الخليقة في السنة.
وأما اليوم فإنه عبارة عن عود الشمس بدوران الكل إلى دائرة قد فرضت، وقد اختلف فيه فجعله العرب من غروب الشمس إلى غروبها من الغد، ومن أجل أنّ شهور العرب مبنية على مسير القمر، وأوائلها مقيدة برؤية الهلال، والهلال يرى لدن غروب الشمس، صارت الليلة عندهم قبل النهار، وعند الفرس والروم، اليوم بليلته من طلوع الشمس بارزة من أفق المشرق إلى وقت طلوعها من الغد، فصار النهار عندهم قبل الليل، واحتجوا على قولهم:
بأنّ النور وجود، والظلمة عدم، والحركة تغلب على السكون لأنها وجود لا عدم، وحياة لا موت، والسماء أفضل من الأرض، والعامل الشاب أصح، والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد، واحتج الآخرون بأن الظلمة أقدم من النور، والنور طارىء عليها، فالأقدم يبدأ به، وغلبوا السكون على الحركة بإضافة الراحة والدعة إليه، وقالوا: الحركة إنما هي الحاجة والضرورة، والتعب تنتجه الحركة، والسكون إذا دام في الاستقصاءات مدّة لم يولد فسادا، فإذا دامت الحركة في الاستقصاءات واستحكمت أفسدت، وذلك كالزلازل والعواصف، والأمواج وشبهها، وعند أصحاب التنجيم أن اليوم بليلته من موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في الغد، وذلك من وقت الظهر إلى وقت العصر، وبنوا على ذلك حساب أزياجهم، وبعضهم ابتدأ باليوم من نصف الليل، وهو صاحب زيج شهر بارازانساه،