وقربات الجلاب، وطمافير الزلابية، والسمك المعروف بالبوريّ، ومن رسم النصارى في الميلاد اللعب بالنار. ومن أحسن ما قيل:
ما اللعب بالنار في الميلاد من سفه ... وإنما فيه للإسلام مقصود
ففيه بهت النصارى أنّ ربهم ... عيسى ابن مريم مخلوق ومولود
وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر، وسائر إقليم مصر موسما جليلا يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة، والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري من ذلك لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها: الفوانيس، واحدها فانوس، ويعلقون منها في الأسواق بالحوانيت شيئا يخرج عن الحدّ في الكثرة والملاحة، ويتنافس الناس في المغالات في أثمانها حتى لقد أدركت شمعة عملت فبلغ مصروفها: ألف درهم وخمسمائة درهم فضة عنها يومئذ ما ينيف على سبعين مثقالا من الذهب واعرف السؤال في الطرقات أيام هذه المواسم، وهم يسألون الله أن يتصدّق عليهم بفانوس، فيشتري لهم من صغار الفوانيس، ما يبلغ ثمنه الدرهم، وما حوله ثم لما اختلت أمور مصر، كان من جملة ما بطل من عوايد الترف، عمل الفوانيس في الميلاد إلّا قليلا.
الغطاس: ويعمل بمصر في اليوم الحادي عشر من شهر طوبه «١» ، وأصله عند النصارى، أنّ يحيى بن زكرياء عليهما السلام المعروف عندهم بيوحنا المعمدانيّ: عمّد المسيح أي غسله في بحيرة الأردن، وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء، اتصل به روح القدس، فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا في شدّة البرد، ويسمونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية.
قال المسعوديّ: ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها، وهي ليلة الحادي عشر من طوبه، ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر، والإخشيد محمد بن طفج أمير مصر في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة للنيل، والنيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج في جانب الجزيرة، وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع، وقد حضر بشاطئ النيل في تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين، ومن النصارى منهم في الزواريق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على سائر الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس، وآلات الذهب والفضة، والجوهر والملاهي، والعزف والقصف، وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أنّ ذلك أمان من المرض ونشزة للداء.