للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابن عباس: أن نوحا عليه السلام دعا لمصر بن بيصر بن حام فقال: اللهمّ إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد، وغوث العباد التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض، وذللها لهم وقوّهم عليها.

وقال كعب الأحبار: لولا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر فقيل له: لم؟

فقال: لأنها بلد معافاة من الفتن ومن أرادها بسوء أكبه الله على وجهه وهو بلد مبارك لأهله فيه. وقال ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن ابن أبي هلال: أن كعب الأحبار كان يقول: إني لأحب مصر وأهلها، لأن مصر بلد معافاة وأهلها أصحاب عافية، وهم بذلك مفارقون، ويقال: إن في بعض الكتب الإلهية: مصر خزائن الأرض كلها فمن أرادها بسوء قصمه الله تعالى.

وقال عمرو بن العاص: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة يعني إذا جمع الخراج مع الإمارة، وقال أحمد بن مدبر: تحتاج مصر إلى ثمانية وعشرين ألف ألف فدان، وإنما يعمر منها ألف ألف فدّان، وقد كشفت أرض مصر، فوجدت غامرها أضعاف عامرها، ولو اشتغل السلطان بعمارتها لوفت له بخراج الدنيا. وقال بعضهم: إنّ خراج العراق لم يكن قط أوفر منه في أيام عمر بن عبد العزيز، فإنه بلغ ألف ألف درهم وسبعة عشر ألف ألف درهم، ولم تكن مصر قط أقل من خراجها في أيام عمرو بن العاص، وأنه بلغ اثني عشر ألف ألف دينار، وكانت الشامات بأربعة عشر ألف ألف سوى الثغور. ومن فضائل مصر: أنه ولد بها من الأنبياء موسى، وهارون، ويوشع عليهم السلام، ويقال: إن عيسى بن مريم صلوات الله عليه أخذ على سفح الجبل المقطم، وهو سائر إلى الشام، فالتفت إلى أمّه وقال: يا أمّاه هذه مقبرة أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، ويذكر أنه ولد في قرية اهناس من نواحي صعيد مصر وأنه كانت به نخلة يقال: إنها النخلة المذكورة في القرآن بقوله سبحانه وتعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ

[مريم/ ٢٥] وهذا القول وهم، فإنه لا خلاف بين علماء الأخبار من أهل الكتاب، ومن يعتمد عليه من علماء المسلمين أن عيسى صلوات الله عليه ولد بقرية بيت لحم من بيت المقدس، ودخل مصر من الأنبياء، إبراهيم خليل الرحمن، وقد ذكر خبر ذلك عند ذكر خليج القاهرة من هذا الكتاب. ودخلها أيضا يعقوب ويوسف والأسباط، وقد ذكر ذلك في خبر الفيوم، ودخلها أرميا، وكان من أهلها مؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه الله جلّ جلاله في القرآن.

ويقال: إنه ابن فرعون لصلبه، وأظنه أنه غير صحيح، وكان منها جلساء فرعون الذين أبان الله فضيلة عقلهم بحسن مشورتهم في أمر موسى وهارون عليهما السلام، لما استشارهم فرعون في أمرهما فقال تعالى: قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>