وفيما يصرف منه إلى أعطيات الأولياء والجنود، ومن يستعان به لتحصين البيضة، والذب عن الحريم، وحج البيت، وجهاد العدوّ، وسدّ الثغور، وأمن السبيل، وحقن الدماء، وإصلاح ذات البيت، وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى، راغبا إليه ومتوكلا عليه أن يحسن عونه على ما حمله منه، ويديم توفيقه بما أرضاه، وإرشاده إلى أن يقضي عنه وله، وقد نظر أمير المؤمنين فيما كان يجري عليه أمر جباية هذا الفيء في خلافة آبائه الراشدين صلوات الله عليهم، فوجده على حسب ما كان يدرك من الغلات والثمار من كل سنة أوّلا أوّلا على مجاري شهور سني الشمس في النجوم التي يحل مال كل صنف منها فيها، ووجد شهور السنة الشمسية تتأخر عن شهور السنة الهلالية أحد عشر يوما وربعا، وزيادة عليه، ويكون إدراك الغلات والثمار في كل سنة بحسب تأخرها، فلا تزال السنون تمضي على ذلك سنة بعد سنة حتى تنقضي منها ثلاث وثلاثون سنة، وتكون عدّة الأيام المتأخرة منها أيام سنة شمسية كاملة، وهي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم وزيادة عليه.
فحينئذ يتهيأ بمشيئة الله تعالى وقدرته إدراك الغلات التي تجري عليها الضرائب، والطسوق «١» في استقبال المحرّم من سني الأهلة، ويجب مع ذلك إلغاء السنة الخارجة إذا كانت قد انقضت، ونسبتها إلى السنة التي أدركت الغلات والثمار فيها، لأنه وجد ذلك قد كان وقع في أيام أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمة الله عليه عند انقضاء ثلاث وثلاثين سنة آخرتهنّ سنة إحدى وأربعين ومائتين، فجرت المكاتبات والحسبانات، وسائر الأعمال بعد ذلك سنة بعد سنة إلى أن مضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهنّ انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين، ووجب إنشاء الكتب بإلغاء ذكر سنة أربع وسبعين ومائتين، ونسبتها إلى سنة خمس وسبعين ومائتين، فذهب ذلك على كتاب أمير المؤمنين المعتمد على الله، وتأخر الأمر أربع سنين إلى أن أمر أمير المؤمنين المعتضد بالله رحمة الله عليه في سنة سبع وسبعين ومائتين بنقل خراج سنة ثمان وسبعين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين.
فجرى الأمر على ذلك إلى أن انقضت في هذا الوقت ثلاث وثلاثون سنة: أولاهنّ السنة التي كان يجب نقلها فيها، وهي سنة خمس وسبعين ومائتين، وآخرتهنّ انقضاء شهور خراج سنة سبع وثلثمائة، ووجب افتتاح خراج ما يجري على الضرائب والطسوق في أوّلها، وإن من صواب التدبير واستقامة الأعمال، واستعمال ما يخف على الرعية معاملتها به، نقل سنة الخراج سنة سبع وثلثمائة إلى سنة ثمان وثلثمائة، فرأى أمير المؤمنين لما يلزمه نفسه، ويؤاخذها به من العناية بهذا الفيء، وحياطة أسبابه، وإجرائها مجاريها، وسلوك سبيل آبائه الراشدين رحمة الله عليهم أجمعين فيها، أن يكتب إليك، وإلى سائر العمال في النواحي