تنجح مباديه وهواديه، وتبهج عواقبه وتواليه، وتستنير سبله لسالكيها، وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها غير ضالين ولا عادلين، ولا منحرفين ولا زائلين، وقد جعل الله عز وجل لعباده من هذه الأفلاك الدائرة، والنجوم السائرة، فيما تنقلب عليه من اتصال وافتراق ويتعاقب عليها من اختلاف، واتفاق منافع تظهر في كرور الشهور والأعوام، ومرور الليالي والأيام، وتفاوت الضياء والظلام، واعتدال المسالك والأوطان، وتغاير الفصول والأزمان، ونشو النبات والحيوان، مما ليس في نظام ذلك خلل، ولا في صنعه زلل بل هو منوط بعضه ببعض، ومحوط من كل تلمة ونقض.
قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ
[يس/ ٣٩] ، ففضل الله تعالى بهذه الآيات بين الشمس والقمر، وأنبأنا في الباهر من حكمه، والمعجز من كلامه أن لكل منهما طريقا سخر فيها، وطبيعة جبل عليها وأن تلك المباينة والمخالفة في المسير يؤدّيان إلى موافقة، وملازمة في التدبير، فمن هنا لك زادت السنة الشمسية.
فصارت ثلثمائة وخمسة وستين يوما وربعا بالتقريب المعمول عليه، وهي المدّة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرّة واحدة، ونقصت الهلالية، فصارت ثلثمائة وأربعة وخمسين يوما، وهي المدّة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرّة، واحتيج إذا انساق هذا الفضل إلى استعمال النقل الذي يطابق إحدى السنتين بالأخرى إذا افترقنا، ويداني بينهما إذا تفاوتتا، وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها، وفي كتاب الله عز وجل شهادة بذلك إذ يقول في قصة أهل الكهف: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً
[الكهف/ ٢٥] ، فكانت هذه الزيادة بأنّ الفضل في السنين المذكورة على تقريب التقريب.
فأما الفرس: فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهرا، وأيامها ثلثمائة وستون يوما، ولقبوا الشهور باثني عشر لقبا، وسموا أيام الشهر منها بثلاثين اسما، وأفردوا الخمسة الأيام الزائدة، وسموها المسترقة، وكبسوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرا، فلما انقرض ملكهم بطل في كبس هذا الربع تدبيرهم، وزال نوروزهم عن سنته، وانفرج ما بينه، وبين حقيقة وقته انفراجا هو زائد لا يقف، ودائر لا ينقطع، حتى إن موضوعهم في النوروز أن يقع في مدخل الصيف، وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الشتاء