جدّ أبيه عباد بن حذيفة عن جدّ جدّه حذيفة بن عبد بن فقيم، وكان يقال لحذيفة القلمس، وهو أوّل من أنسأ الشهور على العرب، فأحل منها ما أحل وحرّم ما حرّم، ثم كان بعد عوف المذكور ولده أبو ثمامة جنادة بن عوف، وعليه قام الإسلام، وكان أبعدهم ذكرا، وأطولهم أمدا يقال: إنه أنسأ أربعين سنة، ولهم يقول عمير بن قيس جذل الطعان يفتخر:
وأيّ الناس لم يسبق بوتر ... وأيّ الناس لم يعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معدّ ... شهور الحل نجعلها حراما
وقال آخر:
أتزعم أني من فقيم بن مالك ... لعمري لقد غيرت ما كنت أعلم
لهم ناسئ يمشون تحت لوائه ... يحل إذا شاء الشهور ويحرم
وقيل: كانت العرب تكبس في كل أربع وعشرين سنة قمرية بتسعة أشهر، فكانت شهورهم ثابتة مع الأزمنة جارية على سنن واحد لا تتأخر عن أوقاتها، ولا تتقدّم وكان النسيء الأوّل للمحرّم، فسمي صفر باسمه، وشهر ربيع الأوّل باسم صفر، ثم والوا بين أسماء الشهور، فكان النسيء الثاني بصفر، فسمي الذي كان يتلوه بصفر أيضا، وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الاثني عشر، وعاد إلى المحرّم، فأعادوا فعلهم الأوّل، وكانوا يعدّون أدوار النسيء، ويحدّون بها الأزمنة، فيقولون: قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلى زمان كذا: وكذا دورة، فإن ظهر لهم مع ذلك تقدّم شهر عن فصله من الفصول الأربعة لما يجتمع من كسور سنة الشمس بقية فضل ما بينها، وبين سنة القمر الذي ألحقوه بها كبسوها كبسا ثانيا، وكان يظهر لهم ذلك بطلوع منازل القمر، وسقوطها حتى هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكانت نوبة النسيء بلغت شعبان، فسمي: محرّما، وشهر رمضان: صفر، وقيل: إن الناسيء الأوّل نسأ المحرّم، وجعله كبسا، وأخر المحرّم إلى صفر، وصفر إلى ربيع الأوّل، وكذا بقية الشهور، فوقع لهم في تلك السنة عاشر المحرّم، وجعل تلك السنة ثلاثة عشر شهرا، ونقل الحج بعد كل ثلاث سنين شهرا فمضى على ذلك مائتان وعشر سنين، وكان انقضاؤها سنة حجة الوداع، وكان وقوع الحج في السنة التاسعة من الهجرة عاشر ذي القعدة، وهي السنة التي حج فيها أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه بالناس، ثم حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السنة العاشرة حجة الوداع لوقوع الحج فيها عاشر ذي الحجة كما كان في عهد إبراهيم وإسماعيل، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم في حجته هذه:«إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» يعني رجوع الحج والشهور إلى الوضع، وأنزل الله تعالى إبطال النسيء بقوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ
[التوبة/ ٣٧] فبطل ما أحدثته الجاهلية من النسيء، واستمرّ وقوع الحج والصوم برؤية الأهلة، ولله الحمد.