ولأميركم مائة دينار، ولخليفتكم ألف دينار، فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام «١» لكم به. فقال عبادة بن الصامت: يا هذا لا تغرنّ نفسك، ولا أصحابك أمّا ما تخوّفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم، وأنا لا نقوى عليهم، فلعمري ما هذا بالذي تخوّفنا به، ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه، وإن كان ما قلتم حقا، فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم، وأشدّ لحرصنا عليهم لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه، إن قتلنا عن آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنته، وما شيء أقرّ لأعيننا، ولا أحب لنا من ذلك، وإنا منكم حينئذ لعلى إحدى الحسنيين: إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، ولأنها أحب الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منا، وإن الله عز وجلّ قال لنا في كتابه: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
[البقرة/ ٢٤٩] .
وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحا ومساء أن يرزقه الشهادة، وأن لا يردّه إلى بلده، ولا إلى أرضه، ولا إلى أهله وولده، وليس لأحد منا همّ فيمات خلفه، وقد استودع كل واحد منا ربّه أهله وولده، وإنما همنا ما أمامنا، وأما قولك: إنا في ضيق وشدّة من معاشنا وحالنا، فنحن في أوسع السعة لو كانت الدنيا كلها لنا، ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه، فانظر الذي تريد فيه فبينه لنا، فليس بيننا وبينك خصلة نقبلها منك، ولا نجيبك إليها إلّا خصلة من ثلاث، فاختر أيتها شئت، ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبل «٢» إلينا، إما إن أجبتم «٣» إلى الإسلام الذي هو الدين القيم الذي لا يقبل الله غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله تعالى أن نقاتل من خالفه، ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا، وعليه ما علينا، وكان أخانا في دين الله، فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك، فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحل أذاكم، ولا التعرّض لكم، وإن أبيتم إلّا الجزية، فأدّوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وأن نعاملكم على شيء نرضى به نحن، وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا، وبقيتم ونقاتل عنكم من ناواكم، وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا، وكان لكم به عهد علينا، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلّا المحاكمة بالسيف، حتى نموت من آخرنا أو نصيب ما نريد منكم، هذا ديننا الذي ندين الله تعالى به، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم.
فقال المقوقس: هذا ما لا يكون أبدا ما تريدون إلّا أن تتخذونا عبيدا ما كانت الدنيا.