أصحابك، فإن استقام الأمر بيننا تمّ ذلك جميعا، وإن لم يتمّ رجعنا إلى ما كنا عليه.
فاستشار عمرو أصحابه في ذلك فقالوا: لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية حتى يفتح الله علينا، وتصير الأرض كلها لنا فيئا وغنيمة، كما صار لنا القصر وما فيه، فقال عمرو: قد علمتم ما عهد إليّ أمير المؤمنين في عهده، فإن أجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التي عهد إليّ فيها أجبتهم إليها، وقبلت منهم مع ما قد حال هذا الماء بيننا، وبين ما نريد من قتالهم فاجتمعوا على عهد بينهم، واصطلحوا على أن يفرض لهم على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كل نفس شريفهم ووضيعهم، ممن بلغ منهم الحلم ليس على الشيخ الفاني، ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم، ولا على النساء شيء، وعلى أن للمسلمين عليهم لنزل بجماعتهم حيث نزلوا، ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام مفترضة عليهم، وأنّ لهم أرضهم وأموالهم لا تعرّض لهم في شيء منها، فشرط ذلك كله على القبط خاصة، وأحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية، وفرض عليهم الديناران، رفع ذلك عرفاؤهم بالإيمان المؤكدة، فكان جميع من أحصى يومئذ بمصر أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا، وكتبوا ورفعوا أكثر من ستة آلاف ألف «١» نفس، فكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر ألف ألف «٢» دينار في كل سنة.
وقال ابن لهيعة عن يحيى بن ميمون الحضرميّ: لما فتح عمرو مصر صالح عن جميع من فيها من الرجال من القبط، ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك ليس فيهم امرأة، ولا شيخ ولا صبيّ، فأحصوا بذلك على دينارين دينارين، فبلغت عدّتهم ثمانية آلاف ألف، قال: وشرط المقوقس للروم أن يخيروا، فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا، أقام على ذلك لازما له مفترضا عليه ممن أقام بالإسكندرية، وما حولها من أرض مصر كلها، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج، وعلى أن للمقوقس الخيار في الروم خاصة، حتى يكتب إلى ملك الروم، ويعلمه ما فعل، فإن قبل ذلك، ورضيه جاز عليهم، وإلا كانوا جميعا على ما كانوا عليه، وكتبوا به كتابا، وكتب المقوقس إلى ملك الروم كتابا يعلمه بالأمر كله.
فكتب إليه ملك الروم: يقبح رأيه، ويعجزه ويردّ عليه ما فعل، ويقول في كتابه: إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفا، وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى، فإن كان القبط كرهوا القتال، وأحبوا أداء الجزية إلى العرب، واختاروهم علينا، فإن عندكم بمصر من الروم وبالإسكندرية، ومن معك أكثر من مائة ألف معهم العدّة والقوّة والعرب وحالهم،