أحمد بن محمد الواسطيّ، وجلس الناس لرؤيته، فسأل بعضهم غلام أبي قبيل: صاحب الملاحم، وكان مكفوفا عما يجده في كتبهم، فقال: هذا رجل نجد صفته كذا وكذا وأنه يتقلد الملك هو وولده قريبا من أربعين سنة، فما تمّ كلامه حتى أقبل أحمد بن طولون، وإذا هو على النعت الذي قال.
ولما تسلم أحمد بن طولون مصر كان على الخراج أحمد بن محمد بن المدبر، وهو من دهاة الناس، وشياطين الكتاب، فأهدى إلى أحمد بن طولون هدايا قيمتها عشرة آلاف دينار بعد ما خرج إلى لقائه هو وشقير الخادم غلام فتيحة أم المعتز، وهو يتقلد البريد، فرأى ابن طولون بين يدي ابن المدبر مائة غلام من الغور، قد انتخبهم وصيرهم عدّة وجمالا، وكان لهم خلق حسن وطول أجسام، وبأس شديد، وعليهم أقبية ومناطق تقال عراض، وبأيديهم مقارع غلاظ على طرف كل مقرعة مقمعة من فضة، وكانوا يقفون بين يديه في حافتي مجلسه إذا جلس، فإذا ركب ركبوا بين يديه، فيصير له بهم هيبة عظيمة في صدور الناس، فلما بعث ابن المدبر بهديته إلى ابن طولون ردّها عليه، فقال ابن المدبر: إنّ هذه لهمة عظيمة، من كانت هذه همته لا يؤمن على طرف من الأطراف، فخافه وكره مقامه بمصر معه، وسار إلى شقير الخادم صاحب البريد، واتفقا على مكاتبة الخليفة بإزالة ابن طولون، فلم يكن غير أيام حتى بعث ابن طولون إلى ابن المدبر يقول له: قد كنت أعزك الله أهديت لنا هدية وقع الغنى عنها، ولم يجز أن يغتنم مالك كثّره الله، فرددتها توفيرا عليك، ونحب أن تجعل العوض منها الغلمان الذين رأيتهم بين يديك، فأنا إليهم أحوج منك، فقال ابن المدبر: لما بلغته الرسالة هذه أخرى أعظم مما تقدّم قد ظهرت من هذا الرجل إذ كان يردّ الأعراض، والأموال ويستهدي الرجال، ويثابر عليهم، ولم يجد بدّا من أن بعثهم إليه، فتحوّلت هيبة ابن المدبر إلى ابن طولون، ونقصت مهابة ابن المدبر بمفارقة الغلمان مجلسه.
فكتب ابن المدبر فيه إلى الحضرة يغري به، ويحرّض على عزله، فبلغ ذلك ابن طولون، فكتم في نفسه، ولم يبده واتفق موت المعتز في رجب سنة خمس وخمسين، وقيام المهتدي بالله محمد بن الواثق، وقتل باكباك، وردّ جميع ما كان بيده إلى ماجور التركيّ حموا بن طولون، فكتب إليه: تسلم من نفسك لنفسك، وزاده الأعمال الخارجة عن قصبة مصر، وكتب إلى إسحاق بن دينار، وهو يتقلد الإسكندرية أن يسلمها لأحمد بن طولون، فعظمت لذلك منزلته، وكثر قلق ابن المدبر وغمه، ودعته ضرورة الخوف من ابن طولون إلى ملاطفته، والتقرّب من خاطره، وخرج ابن طولون إلى الإسكندرية وتسلمها من إسحاق بن دينار، وأقرّه عليها، وكان أحمد بن عيسى «١» بن شيخ الشيبانيّ يتقلد جندي فلسطين والأردن.