وبنى أيضا في القصر قبة تضاهي قبة الهواء سماها الدكة، فكانت أحسن شيء بني، وجعل لها الستر التي تقي الحرّ والبرد، فتسبل إذا شاء، وترفع إذا أحب، وفرش أرضها بالفرش السرية، وعمل لكل فصل فرشا يليق به، وكان كثيرا ما يجلس في هذه القبة ليشرف منها على جميع ما في داره من البستان وغيره، ويرى الصحراء والنيل والجبل، وجميع المدينة، وبنى ميدانا آخر أكبر من ميدان أبيه، وكان أحمد بن طولون، قد اتخذ حجرة بقربه فيها رجال سمّاهم بالمكبرين عدّتهم اثنا عشر رجلا يبيت منهم في كل ليلة أربعة يتعاقبون الليل نوبا يكبرون ويسبحون ويحمدون، ويهللون ويقرءون القرآن تطريبا بألحان، ويتوسلون بقصائد زهدية، ويؤذنون أوقات الأذان، فلما ولي خمارويه: أقرّهم على حالهم، وأجراهم على رسمهم، وكان يجلس للشرب مع حظاياه في الليل، وقيناته تغنين، فإذا سمع أصوات هؤلاء يذكرون الله، والقدح في يده وضعه بالأرض، وأسكت مغنياته، وذكر الله معهم أبدا، حتى يسكت القوم لا يضجره ذلك، ولا يغيظه أن قطع عليه ما كان فيه من لذته بالسماع.
وبنى أيضا في داره: دارا للسباع عمل فيها بيوتا بآزاج، كل بيت يسع سبعا، ولبوته، وعلى تلك البيوت أبواب تفتح من أعلاها بحركات، ولكل بيت منها طاق صغير يدخل منه الرجل الموكل بخدمة ذلك البيت يفرشه بالزبل، وفي جانب كل بيت حوض من رخام بميزاب من نحاس يصب فيه المال، وبين يدي هذه البيوت قاعة فسيحة متسعة فيها رمل مفروش بها، وفي جانبها حوض كبير من رخام يصب فيه ماء من ميزاب كبير، فإذا أراد سائس سبع من تلك السباع تنظيف بيته أو وضع وظيفة اللحم التى لغذائه، رفع الباب بحيلة من أعلى البيت، وصاح بالسبع، فيخرج إلى القاعة المذكورة، ويردّ الباب، ثم ينزل إلى البيت من الطاق، فيكنس الزبل، ويبدّل الرمل بغيره مما هو نظيف، ويضع الوظيفة من اللحم في مكان معدّ لذلك بعدما يخلص ما فيه من الغدد، ويقطعه لهما، ويغسل الحوض، ويملأه ماء، ثم يخرج ويرفع الباب من أعلاه، وقد عرف السبع ذاك، فحال ما يرفع السائس باب البيت دخل إليه الأسد، فأكل ما هيئ له من اللحم، حتى يستوفيه، ويشرب من الماء كفايته، فكانت هذه مملوءة من السباع، ولهم أوقات يفتح فيها سائر بيوت السباع، فتخرج إلى القاعة، وتتمشى فيها وتمرح وتلعب، ويهارش بعضها بعضا، فتقيم يوما كاملا إلى العشيّ، فيصبح بها السّواس، فيدخل كل سبع إلى بيته لا يتخطاه إلى غيره.
وكان من جملة هذه السباع: سبع أزرق العينين يقال له: زريق قد أنس بخمارويه، وصار مطلقا في الدار لا يؤذي أحدا، ويقام له بوظيفته من الغذاء في كل يوم، فإذا نصبت مائدة خمارويه أقبل زريق معها، وربض بين يديه، فرمى إليه بيده الدجاجة بعد الدجاجة، والفضلة الصالحة من الجدي، ونحو ذلك مما على المائدة، فيتفكه به.
وكانت له لبوة لم تستأنس كما أنس، فكانت مقصورة في بيت، ولها وقت معروف