فتلقاه عليّ بن ماجور، وأقام له بها الدعوة، فأقام بها حتى استوثق له أمرها، ومضى إلى حمص فتسلمها، وبعث إلى سيما الطويل، وهو بأنطاكية يأمره بالدعاء له فأبى، فسار إليه في جيش عظيم، وحاصره، ورماه بالمجانيق، حتى دخلها في المحرّم سنة خمس وستين، فقتل سيما، واستباح أمواله ورجاله، ومضى إلى طرسوس، فدخلها في ربيع الأوّل، فضاقت به، وغلا السعر بها، فنابذه أهلها، فقاتلهم وأمر أصحابه أن ينهزموا عن أهل طرسوس ليبلغ طاغية الروم، فيعلم أنّ جيوش ابن طولون مع كثرتها وشدّتها، لم تقم لأهل طرسوس، فانهزموا، وخرج عنهم واستخلف عليها طخشي، فورد الخبر عليه بأنّ ابنه العباس قد خالف عليه، فأزعجه ذلك، وسار فخاف العباس، وقيد الواسطيّ، وخرج بطائفته إلى الجيزة لثمان خلون من شعبان سنة خمس وستين ومائتين، فعسكر بها، واستخلف أخاه ربيعة بن أحمد، وأظهر أنه يريد الإسكندرية، وسار إلى برقة، فقدم أحمد بن طولون من الشام لأربع خلون من رمضان، لأنفذ القاضي بكار بن قتيبة في نفر بكتابه إلى العباس، فساروا إليه ببرقة، فأبى أن يرجع، وعاد بكار في أوّل ذي الحجة، ومضى العباس يريد إفريقية في جمادى الأولى سنة ست وستين، فنهب لبدة «١» ، وقتل من أهلها عدّة، وضجت نساؤهم، فاجتمع عليه: جيش ابن الأغلب والإباضية، فقاتلهم بنفسه، وحسن بلاؤه يومئذ وقال:
لله درّي إذ أعدوا على فرسي ... إلى الهياج ونار الحرب تستعر
وفي يدي صارم أفري الرءوس به ... في حدّه الموت لا يبقي ولا يذر
إن كنت سائلة عني وعن خبري ... فها أنا الليث والصمصامة الذكر
من آل طولون أصلي إن سألت فما ... فوقي لمفتخر بالجود مفتخر
لو كنت شاهدة كرّي بلبدة إذ ... بالسيف أضرب والهامات تبتذر
إذا لعاينت مني ما تبادره ... عني الأحاديث والأنباء والخبر
وقتل يومئذ صناديد عسكره، ووجوه أصحابه، ونهبت أمواله، وفرّ إلى برقة في ضرّ.
وعقد أحمد بن طولون على جيش، وبعث به إلى برقة في رمضان سنة سبع وستين، ثم خرج بنفسه في عسكر عظيم يقال: إنه بلغ مائة ألف لثنتي عشر خلت من ربيع الأوّل سنة ثمان وستين، فأقام بالإسكندرية، وفرّ إليه أحمد بن محمد الواسطيّ من عند العباس، فصغر عنده أمر العباس، فعقد على جيش سيّره إلى برقة، فواقعوا أصحاب العباس وهزموهم، وقتلوا منهم كثيرا، وأدركوا العباس لأربع خلون من رجب وعاد أحمد إلى الفسطاط لثلاث عشرة خلت منه، وقدم العباس والأسرى في شوّال، ثم أخرجوا أوّل ذي