عمروا الأرض مدّة ثم صاروا إلى الحفر ... واستبدّ الزمان من عاش منهم فلم يذر
فهم في الهوان والذل أسرى على خطر ... وهم بعد صفو عيش من الذل في كدر
يا آل طولون ما لكم صرتم للورى سمر ... يا آل طولون كنتم خبرا فانقضى الخبر
وقال:
مررت على الميدان معتبرا به ... فناديته أين الجبال الشوامخ
خمار وعباس وأحمد قبلهم ... وأين ترى شبانهم والمشايخ
وأين ذراري آل طولون بعدهم ... أما فيك منهم أيها الربع صارخ
وأين ثياب الخز والوشي والحلى ... وأربابها أم أين تلك المطابخ
وأين فتات المسك والعنبر الذي ... عنيت به دهرا وتلك اللطائخ
لقد غالك الدهر الخؤون بصرفه ... فأصبحت منحطا وغيرك باذخ
وقال:
مررت على الميدان بالأمس ضاحيا ... فأبصرته قفر الجناب فراعني
فناديت فيه يا آل طولون ما لكم ... فهود فما حلق بحرف أجابني
فأذريت عينا ذات دمع غزيرة ... ورحت كئيب القلب مما أصابني
وإني عليهم ما بقيت لموجع ... ولست أبالي من لحاني وعابني
وحدّث محمد بن أبي يعقوب الكاتب قال: لما كانت ليلة عيد الفطر من سنة اثنتين وتسعين ومائتين تذكرت ما كان فيه آل طولون في مثل هذه الليلة من الزيّ الحسن بالسلاح، وملوّنات البنود والأعلام، وشهرة الثياب، وكثرة الكراع وأصوات الأبواق والطبول، فاعتراني لذلك فكرة، ونمت في ليلتي، فسمعت هاتفا يقول: ذهب الملك التملك والزينة لما مضى بنو طولون.
وقال القاضي أبو عمرو عثمان النابلسيّ في كتاب حسن السيرة في اتخاذ الحصن بالجزيرة: رأيت كتابا قدر اثنتي عشرة كراسة مضمونة فهرست شعراء الميدان الذي لأحمد بن طولون قال: فإذا كانت أسماء الشعراء في ثنتي عشرة كراسة، كم يكون شعرهم؟ مع أنه لم يوجد من لك الآن ديوان واحد. وقال أبو الخطاب بن دحية في كتاب النبراس: وخربت قطائع أحمد بن طولون، يعني في الشدّة العظمى زمن الخليفة المستنصر، وهلك جميع من كان بها من الساكنين، وكانت نيفا على مائة ألف دار نزهة للناظرين محدقة بالجنان والبساتين، والله يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.