العبيد، واشتدّت ضرورتهم، وكثرت حاجتهم، وقلّ مال السلطان، واستضعف جانبه، فبعثت أم المستنصر إلى قوّاد العبيد تغريهم بالأتراك، فاجتمعوا بالجيزة، وخرج إليهم الأتراك، ومقدّمهم ناصر الدين حسين بن حمدان «١» ، فاقتتلا عدّة مرار ظهر في آخرها الأتراك على العبيد، وهزموهم إلى بلاد الصعيد، فعاد ابن حمدان إلى القاهرة، وقد عظم أمره، وقوي جأشه، وكبرت نفسه، واستخف بالخليفة، فجاءه الخبر: أنه قد تجمع من العبيد ببلاد الصعيد نحو خمسة عشر ألف فارس، فقلق وبعث بمقدّمي الأتراك إلى المستنصر، فأنكر ما كان من اجتماع العبيد، وجفوا في خطابهم، وفارقوه على غير رضى منهم، فبعثت أم المستنصر إلى من بحضرتها من العبيد، تأمرهم بالإيقاع على غفلة بالأتراك، فهجموا عليهم، وقتلوا منهم عدّة، فبادر ابن حمدان إلى الخروج ظاهر القاهرة، وتلاحق به الأتراك، وبرز إليهم العبيد المقيمون بالقاهرة ومصر، وحاربوهم عدّة أيام، فحلف ابن حمدان أنه لا ينزل عن فرسه حتى ينفصل الأمر إمّا له أو عليه، وجدّ كل من الفريقين في القتال، فظهرت الأتراك على العبيد، وأثخنوا في قتلهم وأسرهم، فعادوا إلى القاهرة، وتتبع ابن حمدان من في البلد منهم، حتى أفنى معظمهم، هذا والعبيد ببلاد الصعيد على حالهم، وبالإسكندرية أيضا منهم جمع كثير، فسار ابن حمدان إلى الإسكندرية، وحاصرهم فيها مدّة حتى سألوه الأمان، فأخرجهم، وأقام فيها من يثق به، وانقضت هذه السنة كلها في قتال العبيد، ودخلت سنة ستين وأربعمائة، وقد خرق الأتراك ناموس المستنصر، واستهانوا به، واستخفوا بقدره، وصار مقرّرهم في كل شهر أربعمائة ألف دينار بعدما كان ثمانية وعشرين ألف دينار، ولم يبق في الخزائن مال، فبعثوا يطالبونه بالمال، فاعتذر إليهم بعجزه عما طلبوه، فلم يعذروه، وقالوا: بع ذخائرك، فلم يجد بدّا من إجابتهم، وأخرج ما كان في القصر من الذخائر، فصاروا يقوّمون ما يخرج إليهم بأخس القيم، وأقل الأثمان، ويأخذون ذلك في واجباتهم.
وتجهز ابن حمدان، وسار إلى الصعيد يريد قتال العبيد، وكانت شرورهم قد كثرت، وضررهم وفسادهم قد تزايد، فلقيهم وواقعهم غير مرّة، والأتراك تنكسر منهم، وتعود إلى محاربتهم إلى أن حمل العبيد عليهم حملة انهزموا فيها إلى الجيزة، فأفحشوا عند ذلك في أمر المستنصر، ونسبوه إلى مباطنة العبيد، وتقويتهم، فأنكر ذلك، وحلف عليه، فأخذوا في إصلاح شأنهم، ولمّ شعثهم وساروا لقتال العبيد، وما زالوا يلحون في قتالهم حتى انكسرت العبيد كسرة شنيعة، وقتل منهم خلق كثير، وفرّ من بقي، فذهبت شوكتهم، وزالت دولتهم، ورجع ابن حمدان، وقد كشف قناع الحياء، وجهر بالسوء للمستنصر، واستبدّ بسلطنة