والشراب، وكان ميلاطس تقلد الملك بعد أبيه مرقوه وهو صبيّ وكانت أمه مدبرة الملك، وهي حازمة مجرّبة فأجرت الأمور على ما كانت عليه في حياة أبيه وأحسنت وعدلت في الرعية ووضعت عنهم بعض الخراج، وكانت أيامه سعيدة كلها في الخصب الكثير والسعة للناس والعدل، وكان له يوم يخرج فيه إلى الصيد، ويرجع إلى جنته فيأمر لكل من معه بالجوائز والأطعمة ويجلس للنظر يوما في مصالح الناس وقضاء حوائجهم ويخلو يوما بنسائه. وكان ملكه ثلاث عشرة سنة، وجدّر فمات.
وعمل فرسون بن قيلمون بن أتريب منارا على بحر القلزم، وعلى رأسه مرآة تجتذب بها المراكب إلى شاطىء البحر فلا يمكنها أن تبرح إلا أن تعشر فإذا عشرت سترت المرآة حتى تجوز المراكب، وأقام فرسون مائتي سنة وستين سنة؛ وعمل لنفسه ناووسا خلف الجبل الأسود الشرقي في وسطه قبة حولها اثنا عشر بيتا في كل بيت أعجوبة لا تشبه الأخرى، وزبر عليها اسمه ومدة ملكه.
وكا مرقونس الملك حكيما محبا للنجوم، والعلوم والحكمة، فعمل في أيامه درهما إذا ابتاع به صاحبه شيئا اشترط أن يزن له ما يبتاعه منه بوزن الدرهم، ولا يطلب عليه زيادة فيغترّ البائع بذلك ويقبل الشرط فإذا تم ذلك بينهما وقع في وزن الدرهم أرطال كثيرة تساوي عشرة أضعافه، وكان إذا أحب أن يدخل في وزنه أضعاف تلك الأرطال دخل، وقد وجد هذا الدرهم في كنوزهم ثم في خزائن بني أمية وكان الناس يتعجبون منه ووجدوا دراهم أخر، قيل: إنها عملت في وقته أيضا فيكون الدرهم منها في ميزان الرجل فإذا أراد أن يبتاع حاجة أخذ ذلك الدرهم، وقبله وقال: اذكر العهد وابتاع به ما أراد فإذا أخذ السلعة ومضى إلى بيته وجد الدرهم قد سبقه إلى منزله، ويجد البائع موضع ذلك الدرهم، ورقة آس أو قرطاسا أو مثل ذلك بدور الدرهم، وفي وقته عملت الآنية الزجاج التي توزن فإذا ملئت ماء أو غيره، ثم وزنت لم تزد عن وزنها الأوّل شيئا وعمل في وقته الآنية التي إذا جعل فيها الماء صار خمرا في لونه ورائحته وفعله، وقد وجد من هذه الآنية باطفيح في أمارة هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون شربة جزع بعروة زرقاء ببياض، وكان الذي وجدها أبو الحسن الصائغ الخراساني هو ونفر معه، فأكلوا على شاطىء النيل وشربوا بها الماء فوجدوه خمرا سكروا منه وقاموا ليرقصوا فوقعت الشربة، فانكسرت عدّة قطع؛ فاغتم الرجل وجاء بها إلى هارون فأسف عليها، وقال: لو كانت صحيحة لاشتريتها ببعض ملكي.
وأما الآنية النحاسية التي تجعل الماء خمرا، فإنها منسوبة إلى قلوبطرة «١» بنت بطليموس ملكة الإسكندرية فكثير، وفي وقته عملت الصور الحيثمية من الضفادع والخنافس