وتسعين وأربعمائة لما أخرج المستنصر ابنه أبا القاسم مع بقية أولاده في أيام الشدّة، فلذلك كان يقال له في أيام الآمر بأحكام الله الأمير عبد المجيد العسقلانيّ ابن عمّ مولانا.
ولما قتل النزارية: الخليفة الآمر أقام برغش وهزار الملوك الأمير عبد المجيد في دست الخلافة، ولقباه بالحافظ لدين الله، وأنه يكون كفيلا لمنتظر في بطن أمّه من أولاد الآمر، واستقرّ هزاز الملوك وزيرا، فثار العسكر، وأقاموا أبا عليّ بن الأفضل وزيرا، وقتل هزار الملوك، ونهب شارع القاهرة، وذلك كله في يوم واحد، فاستبدّ أبو عليّ بالوزارة يوم السادس عشر من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وقبض على الحافظ، وسجنه مقيدا، فاستمرّ إلى أن قتل أبو عليّ في سادس عشر المحرّم سنة ست وعشرين، فأخرج من معتقله، وأخذ له العهد على أنه وليّ عهد كفيل لمن يذكر اسمه، فاتخذ الحافظ هذا اليوم عيدا سماه عيد النصر، وصار يعمل كل سنة، ونهبت القاهرة يومئذ وقام يانس صاحب الباب بالوزارة إلى أن هلك في ذي الحجة منها بعد تسعة أشهر، فلم يستوزر الحافظ بعده أحدا، وتولى الأمور بنفسه إلى سنة ثمان وعشرين، فأقام ابنه سليمان وليّ عهده مقام وزير، فلم تطل أيامه سوى شهرين ومات، فجعل مكانه ابن حيدرة، فخنق ابنه حسن، وثار بالفتنة، وكان من أمره ما ذكر في خبر الحارة اليانسية من هذا الكتاب، فلما قتل حسن قام بهرام الأرمنيّ، وأخذ الوزارة في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين، وكان نصرانيا، فاشتدّ ضرر المسلمين من النصارى، وكثرت أذيتهم فسار رضوان بن ولخشي، وهو يومئذ متولي الغربية، وجمع الناس لحرب بهرام، وسار إلى القاهرة، فانهزم بهرام، ودخل رضوان القاهرة، واستولى على الوزارة في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين، فأوقع بالنصارى وأذلهم، فشكره الناس إلا أنه كان خفيفا عجولا، فأخذ في إهانة حواشي الخليفة، وهمّ بخلع، وقال: ما هو بإمام، وإنما هو كفيل لغيره، وذلك الغير لم يصح، فتوحش الحافظ منه، وما زال يدبر عليه حتى ثارت فتنة انهزم فيها رضوان، وخرج إلى الشام، فجمع وعاد في سنة أربع وثلاثين، فجهز له الحافظ العساكر لمحاربته، فقاتلهم وانهزم منهم إلى الصعيد فقبض عليه، واعتقل، فلم يستوزر الحافظ أحدا بعده إلى أن كانت سنة ست وثلاثين، فغلت الأسعار بمصر وكثر الوباء، وامتدّ إلى سنة سبع وثلاثين، فعظم الوباء.
وفي سنة اثنتين وأربعين خلص رضوان من معتقله بالقصر، وخرج من نقب، وثار بجماعة، وكانت فتنة آلت إلى قتله.
وفي سنة أربع وأربعين ثارت فتنة بالقاهرة بين طوائف العسكر، فمات الحافظ ليلة الخامس من جمادى الآخرة عن سبع وسبعين سنة منها مدّة خلافته ثمان عشرة سنة وأربعة أشهر وتسعة يوما، أصابته فيها شدائد كثيرة، وكان حازما سيوسا كثير المداراة عارفا جماعا للمال مغرى بعلم النجوم يغلب عليه الحلم.