هناك حارات للسودان، وعمر الباب الجديد، وهو الذي يعرف اليوم بباب القوس من سوق الطيور في الشارع عند رأس «١» ، وحدثت الحارة الهلالية، والحارة المحمودية، وأما: ما حاذى شمالك حيث الجامع المعروف: بجامع الصالح، والدرب الأحمر إلى قطائع ابن طولون التي هي الآن الرميلة، والميدان تحت القلعة فإن ذلك كان مقابر أهل القاهرة.
وأما جهة القاهرة الغربية: وهي التي فيها الخليج الكبير، وهي من باب القنطرة إلى المقس، وما جاور ذلك، فإنها كانت بساتين من غربيها النيل، وكان ساحل النيل بالمقس حيث الجامع الآن، فيمرّ من المقس إلى المكان الذي يقال له الجرف، ويمضي على شماليّ أرض الطبالة إلى البعل، وموضع كوم الريش إلى المنية، ومواضع هذه البساتين اليوم أراضي اللوق والزهري، وغيرها من الحكورة التي في برّ الخليج الغربيّ إلى بركة قرموط، والخور، وبولاق، وكان فيما بين باب سعادة، وباب الخوخة، وباب الفرج، وبين الخليج فضاء لا بنيان فيه، والمناظر تشرف على ما في غربيّ الخليج من البساتين التي وراءها بحر النيل، ويخرج الناس فيما بين المناظر والخليج للنزهة، فيجتمع هناك من أرباب البطالة، واللهو ما لا يحصى عددهم، ويمرّ لهم هنالك من اللذات والمسرّات ما لا تسع الأوراق حكايته خصوصا في أيام النيل عند ما يتحوّل الخليفة إلى اللؤلؤة، ويتحوّل خاصته إلى دار الذهب، وما جاورها، فإنه يكثر حينئذ الملاذ بسعة الأرزاق، وإدرار النعم في تلك المدّة، كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وأما جهة القاهرة البحرية، فإنها كانت قسمين: خارج باب الفتوح، وخارج باب النصر، أما خارج باب الفتوح: فإنه كان هناك منظرة من مناظر الخلفاء، وقدّامها البستانان الكبيران، وأوّلهما من زقاق الكحل، وآخرهما منية مطر التي تعرف اليوم: بالمطرية، ومن غربيّ هذه المنظرة في جانب الخليج الغربيّ منظرة البعل فيما بين أرض الطبالة، والخندق، وبالقرب منها مناظر الخمس وجوه، والتاج ذات البساتين الأنيقة المنصوبة لتنزه الخليفة، وأما خارج باب النصر: فكان به مصلى العيد التي عمل من بعضها مصلى الأموات لا غير، والفضاء من المصلى إلى الريدانية، وكان بستانا عظيما، ثم حدث فيما خرج من باب النصر تربة أمير الجيوش بدر الجمالي، وعمر الناس الترب بالقرب منها، وحدث فيما خرج عن باب الفتوح عمائر منها: الحسينية، وغيرها.
وأما جهة القاهرة الشرقية، وهي ما بين السور والجبل، فإنه كان فضاء ثم أمر الحاكم بأمر الله أن تلقى أتربة القاهرة من وراء السور، لتمنع السيول أن تدخل إلى القاهرة، فصار منها الكيمان التي تعرف بكيمان البرقية، ولم تزل هذه الجهة خالية من العمارة إلى أن انقرضت الدولة الفاطمية، فسبحان الباقي بعد فناء خلقه.