قد دارت بمدام الندى كؤوسه، وجالت في مراح الأفراح نفوسه، ونجم نجمه وابتسم عروسه، وسامره الرذاذ المنهل، وباكره الطل، فكلله بلؤلؤه وقلده، وزاره النسيم المعتل فأقامه وأقعده، ونمق أرضه وروضه، فذهّبه وفضّضه، قد تاهت برياضها الغناء، وزهت بزخرفها وزينتها الحسناء، وامتدّ بساطها الزمرّدي، وانبسط مدادها الزبرجدي، فلا يدرك أقصاه ناظر مسافر، ولا يحيط بمنتهاه خيال ولا خاطر، فلله درّها من روضة مرن، وكعبة حسن، ومقطعات بماء غير آسن، وحرم بحر لحجاج طيره آمن، آتاها حجيج الطير من كل فج عميق، ملبيا داعي حسنها من كل مكان سحيق، قد امتطى ركبها متون الرياح، وعلا جثمانها عالم الأرواح، ووصلن الإدلاج بالصباح، وقطعن أجناح الليل بخفاق الجناح، كأنهن الدراري السواري، أو المنشآت الجواري، أو المطايا المهاري:
تواصل من جوّ حوائض نيله ... صعود على حكم الطريق نزول
رفاق تعاهدن على الوفاء، وتحالفن على النعماء والبلاء، خرجن مهاجرات من الأوطان ألوفا، وقدمن صافات كالمصلين صفوفا، يقدمهن دليل كأنه إمام، قد قتل طرق الآفاق خبرا واستوى لديه الإضواء والإظلام، أبصر من زرقاء اليمامة، وأطير من الورقاء والهامة، وأهدى من النجم، وأشدّ من السهم، يتناجين بلغات أعجميات، سبحات بألحان مطربات، فطفن في حرمها الآمن، واعتمرن بتلك المحاسن، فتراها عند إقبال نوّها، وحومها في جوّها، ما تستقيم خطا مستقيما، وإن كانت تصطف صفا عظيما، فمنها ما يستهل هلالا، ومنها ما يحكي بنات نعس حالا، ومنها ما ينثني بإدلاله دالا، ومنها ما يخط نونا نونا، فيحكي حاجبا مقرونا، ومنها ما يكتب زينا، فيعيدها عينا، ومنها ما يصوّر ميم الهجاء، فيشاهد مبسم السماء، ومنها ما يأتي زرافات ووحدانا، فيبدع في إعجابه حسنا وإحسانا، فكم من حبل أوز معلق بالسماء، يحلق إلى ذلك الماء، وأوانس عرّيسات، أنيسات كيّسات وصور صور، كأمثال حور، وطير لغلغ «١» ، مكتس بديباج مصبغ، وجليل حبرج «٢» ، كعلج متوّج، وكركيّ عريض طويل، كبعير كبير جميل، وغرير غرّ، مغرّر متغير، وسبيطر «٣» شديد شويطر، وكم ضخم الدسيعة جوّال، ككوهي بالقوّة المنيعة صوّال، ورخام مرزم كذي إمرة محتشم، وجلالة نسر في الشائع الذائع، والحاضر الواقع، أبهى من النسر الطائر والواقع، وعظم عقاب تمّ الحسن بحسنه، وكل الصيد في ضمنه، وكم من خضاري وحرمان، وبلشون وشهرمان، صنوان وغير صنوان، وكم من بط على شط وخلط، وقطقط «٤» منقط، وغرّ وغرنوق، وكرسوغ ممشوق، ونورس مستأنس، وقد امتلأت بهنّ