الله على يده ما لم يرزقه أحد منا مع غيره، وأنا أظنّ أنه ذاك الذي قال لي مولانا المعز، ولا علينا إذا فتح الله لموالينا على أيدينا أو على يد من كان، يا أبا محمد، لكل زمان دولة ورجال، أنريد نحن أن نأخذ دولتنا ودولة غيرنا، لقد أرجل لي مولانا المعز لما سرت إلى مصر أولاده وإخوته، ووليّ عهده، وسائر أهل دولته، فتعجب الناس من ذلك، وها أنا اليوم أمشي راجلا بين يدي منجوتكين، أعزونا وأعزوا بنا غيرنا، وبعد هذا، فأقول: اللهم قرّب أجلي ومدّتي فقد أنفت على الثمانين، أو أنا فيها، فمات في تلك السنة، وذلك أنه اعتلّ، فركب إليه العزيز بالله عائدا أو حمل إليه قبل ركوبه خمسة آلاف دينار ومرتبة مثقل، وبعث إليه الأمير منصور بن العزيز بالله خمسة آلاف دينار، توفي يوم الاثنين لسبع بقين من ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، فبعث إليه العزيز بالحنوط والكفن، وأرسل إليه الأمير منصور بن العزيز أيضا الكفن، وأرسلت إليه السيدة العزيزية الكفن، فكفن في سبعين ثوبا ما بين مثقل ووشي مذهب، وصلى عليه العزيز بالله، وخلع على ابنه الحسين، وحمله وجعله في مرتبة أبيه، ولقبه بالقائد ابن القائد، ومكنه من جميع ما خلفه أبوه، وكان جوهر عاقلا محسنا إلى الناس كاتبا بليغا، فمن مستحسن توقيعاته على قصة رفعت إليه بمصر:
سوء الاجترام، أوقع بكم حلول الانتقام، وكفر الإنعام أخرجكم من حفظ الذمام، فالواجب فيكم ترك الإيجاب، واللازم لكم ملازمة الاحتساب، لأنكم بدأتم فأسأتم، وعدتم فتعدّيتم، فابتداؤكم ملوم، وعودكم مذموم، وليس بينهما فرجة إلا تقتضي الذم لكم والإعراض عنكم ليرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه رأيه فيكم، ولما مات رثاه كثير من الشعراء.
السور الثاني: بناه أمير الجيوش بدر الجماليّ في سنة ثمانين وأربعمائة، وزاد فيه الزيادات التي فيما بين بابي زويلة، وباب زويلة الكبير، وفيما بين باب الفتوح الذي عند حارة بهاء الدين، وباب الفتوح الآن، وزاد عند باب النصر أيضا جميع الرحبة التي تجاه جامع الحاكم الآن إلى باب النصر، وجعل السور من لبن، وأقام الأبواب من حجارة، وفي نصف جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة وثمانمائة ابتدئ بهدم السور الحجر، فيما بين باب زويلة الكبير، وباب الفرج عندما هدم الملك المؤيد شيخ الدور ليبني جامعه، فوجد عرض السور في الأماكن نحو العشرة أذرع.
السور الثالث: ابتدأ في عمارته السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ست وستين وخمسمائة، وهو يومئذ على وزارة العاضد لدين الله، فلما كانت سنة تسع وستين، وقد استولى على المملكة، انتدب لعمل السور الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي، فبناه بالحجارة على ما هو عليه الآن، وقصد أن يجعل على القاهرة ومصر والقلعة سورا واحدا، فزاد في سور القاهرة القطعة التي من باب القنطرة إلى باب الشعرية، ومن باب الشعرية إلى باب البحر، وبنى قلعة المقس، وهي برج كبير، وجعله على النيل بجانب جامع المقس، وانقطع السور من هناك، وكان في أمله مدّ السور من المقس إلى أن يتصل بسور مصر، وزاد