اعتقاد الأئمة قد ثبت في نفس المدعوّ، فإذا اعتقد ذلك، نقله إلى الدعوة الثالثة.
الدعوة الثالثة: مرتبة على الثانية، وذلك أنه إذا علم الداعي ممن دعاه، أنّ ارتباطه على دين الله لا يعلم إلّا من قبل الأئمة، قرّر حينئذ عنده أن الأئمة سبعة، قد رتبهم الباري تعالى كما رتب الأمور الجليلة، فإنه جعل الكواكب السيارة سبعة، وجعل السماوات سبعا، وجعل الأرضين سبعا، ونحو ذلك مما هو سبع من الموجودات.
وهؤلاء الأئمة السبعة هم: عليّ بن أبي طالب، والحسن بن عليّ، والحسين بن عليّ، وعليّ بن الحسين الملقب زين العابدين، ومحمد بن عليّ، وجعفر بن محمد الصادق، والسابع هو: القائم صاحب الزمان.
وهم أعني الشيعة مختلفون في هذا القائم، فمنهم من يجعله: محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، ويسقط إسماعيل بن جعفر، ومنهم من يعدّ إسماعيل بن جعفر إماما، ثم يعدّ ابنه محمد بن إسماعيل، فإذا تقرّر عند المدعوّ أن الأئمة سبعة انحل عن معتقد الإمامية من الشيعة القائلين بإمامة اثني عشر إماما، وصار إلى معتقد الإسماعيلية، بأنّ الإمامة انتقلت إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر، فإذا علم الداعي ثبات هذا العقد في نفس المدعوّ، شرع في ثلب بقية الأئمة الذين قد اعتقد الإمامية فيهم الإمامة، وقرّر عند المدعوّ أنّ محمد بن إسماعيل عنده علم المستورات، وبواطن المعلومات التي لا يمكن أن توجد عند أحد غيره، وأنّ عنده أيضا علم التأويل، ومعرفة تفسير ظاهر الأمور، وعنده سرّ الله تعالى في وجه تدبيره المكتوم، وإتقان دلالته في كل أمر يسأل عنه في جميع المعدومات، وتفسير المشكلات، وبواطن الظاهر كله والتأويلات، وتأويل التأويلات، وأنّ دعاته هم: الوارثون لذلك كله من بين سائر طوائف الشيعة لأنهم أخذوا عنه، ومن جهته رووا، وإنّ أحدا من الناس المخالفين لهم لا يستطيع أن يساويهم، ولا يقدر على التحقق بما عندهم إلّا منهم، ويحتج لذلك بما هو معروف في كتبهم مما لا يسع هذا الكتاب حكايته لطوله، فإذا انقاد المدعوّ، وأذعن لما تقرّر، نقله إلى الدعوة الرابعة.
الدعوة الرابعة: لا يشرع الداعي في تقريرها حتى يتيقن صحة انقياد المدعوّ لجميع ما تقدّم، فإذا تيقن منه صحة الانقياد، قرّر عنده أنّ عدد الأنبياء الناسخين للشرائع المبدّلين لأحكامها، أصحاب الأدوار، وتقليب الأحوال، الناطقين بالأمور، سبعة فقط، كعدد الأئمة سواء، وكل واحد من هؤلاء الأنبياء لا بدّ له من صاحب يأخذ عنه دعوته، ويحفظها على أمّته، ويكون معه ظهيرا له في حياته، وخليفة له من بعد وفاته، إلى أن يبلغ شريعته إلى أحد يكون سبيله معه، كسبيله هو مع نبيه الذي اتبعه، ثم كذلك كل مستخلف خليفة إلى أن يأتي منهم على تلك الشريعة، سبعة أشخاص.
ويقال لهؤلاء السبعة: الصامتون لثباتهم على شريعة اقتفوا فيها أثر واحد هو أوّلهم،