إبراهيم المصريّ «١» الإخميميّ الزاهد: وكان حكيما وكانت له طريقة يأتيها، ونحلة يقصدها، وكان ممن يقرّ على أخبار هذه البرابي وامتحن كثيرا مما صوّر فيها ورسم عليها من الكتابة، والصور، قال: رأيت في بعض البرابي كتابا تدبرته فإذا هو: احذر العبيد المعتقين، والأحداث والجند المتعبدين، والنبط المستعربين، ورأيت في بعضها كتابا تدبرته فإذا فيه: يقدّر المقدّر والقضاء يضحك. وفي آخره كتابة تثبتها في ذلك العلوم فوجدتها:
تدبر بالنجوم ولست تدري ... ورب النجم يفعل ما يريد
قال: وكانت هذه الأمة التي اتخذت هذه البرابي لهجة بالنظر في أحكام النجوم من المواظبين على معرفة أسرار الطبيعة، وكان عندها مما دلت عليه أحكام النجوم: أنّ طوفانا سيكون في الأرض، ولم يقطع على ذلك الطوفان ما هو؟ أنار تأتي على الأرض فتحرق ما عليها؟ أو ماء يغرقها، أو سيف يبيد أهلها، فخافت دثور العلوم، وفناءها بفناء أهلها، فاتخذت هذه البرابي ورسمت فيها علومها من الصور والتماثيل والكتابة، وجعلت بنيانها نوعين طينا وحجارة وفرزت ما بني بالطين مما بني بالحجارة، وقالت: إن كان هذا الطوفان نارا استحجر ما بني بالطين، وإن كان الطوفان الوارد ماء أذهب ما بنينا بالطين، ويبقى ما بني بالحجارة، وإن كان الطوفان سيفا بقي كل من النوعين مما هو من الطين وما هو من الحجر. وهذا ما قيل، والله أعلم. إنه كان قبل الطوفان، وإنّ الطوفان الذي كانوا يرقبونه ولم يعينوه أنار هو أم ماء أم سيف. كان سيفا أتى على جميع أهل مصر من أمّة غشيتها، وملك نزل عليها فأباد أهلها.
ومنهم من رأى أن ذلك الطوفان كان وباء عمّ أهلها. ومصداق ذلك ما يوجد ببلاد تنيس من التلال المتقذرة من الناس من صغير وكبير، وذكر وأنثى، كالجبال العظام، وهي المعروفة ببلاد تنيس من أرض مصر بذات الكوم، وما يوجد ببلاد مصر، وصعيدها من الناس المنكسين بعضهم على بعض في الكهوف والغيران والنواويس، ومواضع كثيرة من الأرض لا يدرى من أي الأمم هم، فلا النصارى تخبر عنهم أنهم من أسلافهم، ولا اليهود تقول إنهم من أوائلهم ولا المسلمون يدرون من هؤلاء، ولا تاريخ ينبئ عن حالهم، وعليهم أثوابهم وكثيرا ما يوجد في تلك البرابي والجبال من حليتهم. والبرابي ببلاد مصر بنيان قاتم عجيب كالبربا التي بأخميم والتي بسمنود وغير ذلك.